يخوض الإنسان تجاربه في الحياة منذ لحظة ولادته، فتجربته الأولى تكون مع والديه وعائلته، ومن ثم تليها تجربته مع أترابه في المدرسة، ورفاقه في الشارع، ويعيش حياته في الطفولة بنمط محدد لم يختره.
ومن هذه التجارب تتولد لديه جروح الطفل الداخلي التي يحملها في داخله وترافقه بقية حياته، ويعيش بها.
فلا بد من معرفة أن كل شيء يرتبط بطفولته الأولى إلى حد بعيد.. جميع سلوكياته وقراراته واختياراته أو حتى تجاربه في الحياة.
يتكون الأمر بالدرجة الأولى من مراقبة ورؤية الطفل لأبويه، وسلوكياتهما تجاه بعضهما، وطبيعة علاقتهما، ومع توالي المواقف السلبية، والجروح التي يعيش بها، تترتب تصرفاته مع الآخرين، دون إدراك ووعي منه بأنه يقرر ويختار بناء على تلك الجروح.
وبالطبع لن يعي بأن تلك الاختيارات والتصرفات نابعة من الهروب المستمر من تلك الجروح العميقة والمتجذرة في ذاته، أو محاولته حماية نفسه من تلك الجروح.
اقرأ أيضًا كيف نتعامل مع طفل عنيد جداً؟
ماذا نعني بجملة "الطفل الداخلي"؟!
إنه مصطلح اخترعه كارل يونغ عالم النفس الشهير، وعنى بذلك التجارب التي خاضها الإنسان في طفولته، وسوف تؤثر في سلوكياته عندما يصبح بالغًا في ما بعد.
وذلك يخبرنا بأن الإنسان البالغ الذي تربى في بيئة سليمة ومحبة وعطوفة، يتمتع بطفل داخلي سليم ومتوازن.
أما الإنسان الذي تعرض في طفولته، إلى معاملة سيئة بدنيًّا أو عاطفيًّا أو نفسيًّا أو جنسيًّا، أو الذي تعرض للإهمال من المحيطين به، أو حتى إن شاهد شخصًا آخر يتعرض أمامه للعنف، فسوف يكون طفلًا داخليًّا غير سليم، ومجروحًا نفسيًّا، وغير متوازن.
اقرأ أيضًا كيف يمكن علاج مشكلة هروب الطفل التوحدي
5 إشارات تخبرنا بأن الطفل الداخلي غير سليم أو غير متوازن نفسيًّا
تعامل الشخص مع العلاقات المسيئة وكأنها أمر طبيعي أو علاقة طبيعية
وهذه الإشارة تظهر في حالتين بالتحديد:
الحالة الأولى، يصبح الإنسان البالغ مسيئًا، فقد أظهرت الدراسات أن الإنسان البالغ الذي تعرض في طفولته للإساءة، أكثر عرضة لأن يكون مسيئًا بتعامله مع أطفاله، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل من تعرض في طفولته إلى إساءة سيصبح شخصًا مسيئًا لاحقًا.
ولكن تعرض بعض الأطفال المستمر للإساءة، يجعلهم يعتقدون بأنه هذا هو الأسلوب الطبيعي المناسب للتعامل فيتبناه هو كذلك.
الحالة الثانية، ينجذب الإنسان البالغ إلى علاقات مبنية على الإساءة، فقد أبانت الدراسات أن المعاملة الجنسية السيئة في مرحلة الطفولة، مؤشر كبير لدخول الإنسان البالغ في علاقات مسيئة.
اختيار الشخص للعنف حلًّا
وهذه الإشارة تظهر في أكثر من حالة:
امتلاك الإنسان نزعة للعنف، فقد أظهرت الدراسات أن الرجل الذي يمارس العنف ضد زوجته، سبقَ أن تعرض له في طفولته، وكذلك الذي لم يتعرض مباشرة للعنف، بل شاهد شخصًا آخر يتعرض له، ويتعلم الطفل بدرجة أساسية، من البيئة المحيطة به، وبالأخص أبويه.
ارتكاب الجريمة، كذلك أظهرت الدراسات أن الأشخاص خاصة الذكور منهم، الذين تعرضوا للعنف مباشر أو بصفتهم شهودًا ونجوا منه، تصدر عنهم تصرفات وسلوكيات عنيفة، ويمتلكون نزعة لارتكاب الجريمة، أكثر من الذين لم يتعرضوا لذلك.
اقرأ أيضًا مشكلة الخوف عند الأطفال.. أسبابها وعلاجها
تطوير الشخص إستراتيجيات وأنماطًا سلبية للتعايش مع المشكلات
مثل الاضطراب في تناول الطعام، فحين يتعرض الطفل في طفولته إلى العنف، يرتبط ذلك بتشويه نظرة الطفل إلى بدنه وأيضًا ذاته، وبالتالي السمنة في مرحل منتصف العمر، تكون مرتبطة بتعرضه للعنف في طفولته.
استخدام العقاقير بطريقة سيئة، وهي من أخطر الإستراتيجيات السلبية التي يستخدمها الإنسان للتعايش مع المشكلات، لذلك فإن أكثر الأشخاص البالغين الذين تعرضوا للعنف في طفولتهم، يلجؤون لمثل هذه الإستراتيجيات، باعتقادهم أنهم يعالجون جروح الطفل الداخلي لديهم.
شعور الشخص بانعدام قيمته
توجد عواقب عدة لهذا الشعور، مثل:
التطرق إلى التفكير بالانتحار، فالتعرض للعنف والإساءة يرتبط بشعور الشخص بعدم قيمته ذاته، وتنشأ بذلك لديه جروح الطفل الداخلي، فيؤدي شعوره هذا إلى تفكيره بالانتحار.
التصرفات والممارسات الخطيرة، إذ يمارس الشخص ممارسات خطيرة تجعل حياته صعبة، أو حتى في خطر، بعد تعرضه في طفولته إلى العنف الذي ولد لديه جرح الطفل الداخلي.
وذلك يتمثل على سبيل المثال في القيادة المتهورة، وكثرة الديون عليه بسبب صرفه المال بتهور، وعدم الاهتمام أو الاكتراث للعناية بصحته النفسية والجسدية.
اقرأ أيضًا نصائح هامة لتربية طفل سوي نفسياً
تدهور صحة الشخص النفسية والبدنية
جروح الطفل الداخلي تؤدي إلى تدهور في صحته النفسية والبدنية:
لنبدأ بتدهور الصحة النفسية، بالتأكيد إن التعرض للعنف في مرحلة الطفولة يؤدي إلى تدهور واضطراب الحالة النفسية في مراحل متقدمة من الحياة، ومن المشكلات التي قد تطرأ: اكتئاب- صدمة- اضطرابات في الشخصية- القلق واضطراباته- الذهان.
أما الصحة البدنية وتدهورها، فالعنف في الطفولة يؤدي إلى إسقاط كل المشاعر السلبية المخزنة والمكبوتة على الجسم، فيمكن أن نرى بقعًا زرقاء كالأورام، أو حتى الإصابة بأمراض أخرى، كارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، والسكري، والكبد.
خطوات معالجة وتجنب تأثير جرح الطفل الداخلي وإنشاء شخصية متوازنة
لقد اقترح المعالجون النفسيون، وخبراء التنمية الذاتية، بعض الأساليب للبدء في معالجة تلك الجروح.
أكدت المعالجة النفسية ليز بوربو، ضرورة أن يتعرف الشخص أولًا على الجرح الذي يعانيه، ومن ثم تقبله على وجه الخصوص.
وتقول في كتابها عن هذه الخطوة الأولى: إن تشخيص الجرح، لا يكفي فقط لشفائه، فيجب على الشخص أن يعترف بأن القناع الذي ارتداه طيلة حياته، بالتأكيد ساعده على حماية نفسه من الألم.
أما الخطوة الثانية بالنسبة لبوربو فتكمن في أن يتوقف الإنسان عن الشعور بالذنب لأنه وجه اللوم نحو أبويه في ما يتعلق بجراحه، وأن يغفر لنفسه ذلك، ليستطيع بالتالي أن يغفر لهم تخليهم أو رفضهم أو ظلمهم، في لحظة ما من حياته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.