الإمبراطور تيبيريوس بين القصر والجيش

عاش تيبريوس حياة صعبة، ولا سيما بعد أن طلقت والدته ليفيا دروسيلا سنة (39 ق.م) وتزوجت من الإمبراطور أغسطس قيصر، وعلى الرغم من كونه من آل كلوديوس من الأسرة اليوليوية الكلودية التي كانت من أشهر الأسر في روما، تربى تيبريوس في البيئة الرومانية، التي جعلت منه امبراطورًا فيما بعد.

كان تيبريوس يتقن اللغتين اليونانية والرومانية، إذ إنه قد أخذ أغلب علومه من أساتذة ممتازين من الرومان والإغريق في الدين والأدب، وتفوَّق في حياته الأدبية والعلمية على الصبية في روما كلها، ولا سيما بعد أن عاش في قصر أغسطس وإصرار الأخير على تعليمه.

اقرأ ايضاََ الإمبراطور تيبيريوس واستمراره بحياة القصر

ماذا حقق الإمبراطور تيبريوس عند بلوغه سن الثالثة عشر؟

وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره كان أغسطس قد حقق نصرًا كبيرًا في استيلائه على مصر، وإنهاء حكم أنطونيوس وكليوباترا فيها، كل تلك الأحداث التي عاشها تيبريوس كانت بمنزلة خطوات أولى يصل بها إلى عرش الإمبراطورية الرومانية، فضلًا عن كونه ابن ليفيا زوجة أغسطس، وسليل أكبر الأسر الرومانية آنذاك.

إن وجود تيبريوس داخل القصر الإمبراطوري منحه فرصة اللقاء مع الوفود الدولية، من حكام وملوك وأمراء وممن يتوافد عليها من أغلب دول العالم من ألمانيا وانجلترا وفلسطين وسوريا ومصر وإسبانيا والمغرب، التقى تيبريوس كل هؤلاء السفراء والملوك والأمراء وخاطبهم وجادلهم واستمع إليهم.

وكان قد تعلم منهم كثيرًا من القضايا السياسة، فضلًا عن تجارب حياتية أخرى، وأخذ عن أغسطس أن المصلحة وحدها هي المقياس الحقيقي للعلاقات، ومارس الشعائر الدينية وأساليب الحكم.

وكانت أسرة تيبريوس تشارك في كل الشعائر التي كانت تقام داخل القصر الإمبراطوري، فضلًا عن الاحتفالات والمناسبات الأخرى.

تدرب تيبريوس على فنون القتال وهو لا يزال صبيًّا، وكانت تقام مناسبات تمثيلية يشارك فيها الصبية لإحياء ذكرى معركة طروادة. كان تيبريوس أحد المشاركين.

بل كان يقود أحد الفريقين المتقاتلين في بعض الأحيان، وكثيرًا ما تتحول هذه الاحتفالات إلى معارك حقيقية، أدت إلى إصابات شديدة الخطر بأبناء أعضاء مجلس الشيوخ، ما دفعهم أخيرًا إلى إلقاء تلك الألعاب نهائيًّا.

كان تيبريوس يظهر دائمًا بالمناسبات والتي تُعد نافذة له لتحقيق حلمه في الحصول على العرش الذي بدأ يراوده، والذي يتطلب منه أن يصبح ذا شأن كبير وذلك باتباعه الوسائل التقليدية وهي (الجندية) حتى يكون رجلًا ذا أهمية أولًا، وذا شخصية عظيمة مقاتلة ثانيًا، وأن ينتقل بواسطتها إلى مناصب قيادية في الحكومة الرومانية.

وعلى الرغم من أن مدينة روما ذات كثافة سكانية عالية، وظهور كثير من حالات الفوضى والسلب والنهب والقتل ولا سيما في ساعات الليل المتأخرة، فكانت بحاجة إلى جهاز إداري حكومي ضخم، ما ساعد تيبريوس على أن يقف على أعلى قمة في روما، وأصبح من أكابر القادة الذين تبوَّؤوا عرش روما.

تلك المدينة التي كانت أشبه بالثكنة العسكرية، والتي يوجد فيها الضابط والجندي والجنرال، وكان تيبريوس على الرغم من صغر سنه لكنه كان قويًّا وذا شخصية قوية، استطاع أن يجعل له شأنًا في روما، رغم أنها كانت تمثل عددًا من الطبقات، وكان تيبريوس ينحدر من أعلى طبقات المجتمع الروماني إذ كانت هذا الطبقات تتمثل بطبقة (الشيوخ).

وهي معنوية أكثر مما هي مادية، وكانوا يُنتخبون لإدارة الحكم، ثم تأتي بعدها طبقة الفرسان، وتُقاس هذه الطبقة على من يملك المال، أما الطبقات الأخرى فهي تمثل طبقة المواطنين والطبقة المتوسطة وطبقة العبيد، وعلى الرغم من هذه الفوارق الطبقية لكن الكل يعيش تحت سيطرة القانون.

وبعد أن أصبح تيبريوس قائدًا عسكريًّا أثبت قدرته، ونجاحه في حملته على أرمينيا، وكذلك رافق أغسطس لتحرير رومانيا من البارثيين (الفرثيين) وبعد عودته من الحملات العسكرية في الشرق، مُنح منصب قائد للجيش الروماني ومن ثم مُنح منصب القنصل عام (19 ق.م).

وكان لتيبريوس أثر كبير في محاربة الألمان، واعتقال أعداد كبيرة منهم ونقلهم إلى بلاد الغال، لكن ذلك كله لم يُثنِ تيبريوس عن مقاتلة القبائل الجرمانية التي خرجت على القانون، وفي عام (2 ق.م) وبعد عودته من رودس، مُنح صلاحيات إدارية واسعة ولكن وفاة أغسطس فتحت الباب أمامه ليصبح الوريث الوحيد للعرش.

اقرأ ايضاََ الألقاب التي أطلقت على الإمبراطور تيبيريوس

صفات الإمبراطور تيبريوس

كان تيبريوس في الخامسة عشرة من عمره عام (27 ق.م)، وقد تميز بصفات كثيرة منها أنه ذلك الشاب القوي، طويل القامة، شديد البأس، وكان يحمل بعض ملامح والدته، وكان حياؤه وكآبة طبعه، وميوله للعزلة واضحة في شخصه، وكان عميق التفكير، جديًّا في عمله ووقورًا، وهذا ما جعل البعض يصفه باسم (الرجل العجوز).

يفتقر تيبريوس إلى الود بسبب انطوائيته منذ صغره، ويتصف بالصبر وقلة الكلام، وإذا تكلم يقف قليلًا كي يختار التعبيرات والألفاظ المناسبة لما يتحدث عنه.

وكان قادرًا على الخطابة منذ مرحلة مبكرة من عمره، ويقال إنه أخذ تلك الصفات من الإمبراطور أغسطس الذي كان حريصًا حتى في كلامه مع زوجاته، إذ كان يوثق ذلك بالكتابة.

وكان تيبريوس يعيش بين جنوده متواضعًا في تعامله معهم ويشاركهم متاعبهم ولا يميز بينهم حتى مع نفسه، على الرغم من الفوارق الطبقية التي كانت بينه وبينهم، ولا يقبل مرافقة العبد له، ويأكل مع الجنود وهو جالس، وكان تعامله لهم في غاية الاحترام والتقدير عكس القادة الآخرين من الرومان.

هذه الصفات كانت واضحة في شخصية تيبريوس، وهو يمارس حياته الطبيعية في الوقت الذي كان يتطلع فيه إلى أن يصبح رجلًا ذا شأن كبير في الإمبراطورية الرومانية.

كان القانون الروماني يضم بعض القواعد المطلقة التي لا سبيل لنقضها، لكن تيبريوس كان ينكر هذه المسائل ولا يؤمن بنصوص الحكم الخاطئة، والتي تقف عائقًا أمام تطلعاته.

نتيجة خبرته المتراكمة وظروف حياته التي عاشها في قصر الإمبراطور أغسطس، فضلًا عن الظروف القاسية التي مرَّ بها خلال طفولته في وحدة مروعة، إذ قضى أغلب حياته متنقلًا مع والده من مكان إلى آخر، فضلًا عن انفصال والدته وزواجها بأغسطس.

كل هذه الأمور كانت تظهر في شخصيته وتصرفاته وتعاملاته مع الناس، ما كان لها من أثر واضح وتأثير كبير فيه، إذ يُذكر أن حياته الخاصة لا تخلو من القسوة والشدة. 

وعلى الرغم مما نُشر عنه لكنه كان يمتلك ثقافةً وعلمًا في كثير من العلوم التي اكتسبها في دراسته على أيدي كبار العلماء الإغريق والرومان، مع ذلك كان عهده أفضل بكثير من سابقيه، وكل ما كُتب عنه لا يقارن بمن جاء من بعده، مثل كاليجولا، ونيرون.

ومع كل هذه القسوة والشدة لكن الإمبراطورية شهدت في عهده ازدهارًا وسلامًا، والتشويه الذي استخدمه المؤرخ تاسيتوس (هو أحد أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين لتيبريوس)، إذ نسب إليه بأسلوبه اللاذع كل طغيان وقساوة سيجمانوس رئيس الشرطة.

 

لكن الغموض الذي كان يشوب شخصية تيبريوس جعلت الشعب يعجز عن فهمه أو معرفة أسراره ودوافعه، وعلى الرغم من أن حياته كانت بسيطة ومتواضعة، واختلافه عن معاصريه الذين تميزوا بالإسراف، لكنه كان يحتقر حياة البلاط، وكان إحساسه بالواجب قويًّا ولم يكن يبالي بما يقوله الرأي العام.

رسالة ماجستير تاريخ قديم

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 27, 2023, 12:09 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 27, 2023, 10:40 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 24, 2023, 8:36 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 21, 2023, 1:15 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 21, 2023, 10:15 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 20, 2023, 7:15 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 18, 2023, 11:58 ص - امل مهدي صالح
يوليو 8, 2023, 6:10 م - محمد أمين العجيلي
مايو 20, 2023, 1:54 م - اسامه غندور جريس منصور
نبذة عن الكاتب

رسالة ماجستير تاريخ قديم