مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة، بشأن تغير المناخ الثامن والعشرين بدولة الإمارات العربية في نهاية الشهر الجاري لتوحيد الجهود العالمية في مجال العمل المناخي وتحديد فرص التعاون المُتاحة لإيجاد الحلول للتحديات المناخية.
اقرأ أيضاً لماذا تزداد درجة الحرارة ونسبة الرطوبة في شهر أغسطس؟
العمل المناخي بين الواقع والمأمول
مع نهاية الاجتماعات التحضيرية لقمة المناخ القادمة بدولة الإمارات، التي تمت في مدينة بون الألمانية في منتصف هذا العام، والتي انتهت بنتائج مخيبة للآمال؛ لأنه ما زال يُحيط الغموض بمسألة تمويل الجهود لتصحيح المسار والتكيف مع الآثار المدمرة تكيفًا متزايدًا لتغير المناخ، وذلك لما يدور حاليًا في العالم من أحداث سياسية كالحرب في أوكرانيا والتوترات السياسية والاقتصادية القائمة بين إسرائيل وأمريكا.
يمكننا دفع فاتورة الإصلاح الآن أو دفعها أضعافًا مضاعفة في المستقبل، فالعمل المناخي يتطلب استثمارات مالية كبيرة للغاية من قبل الحكومات والشركات الخاصة وقطاع الأعمال.
لكن التقاعس عن توفير هذه الاستثمارات هو أكثر كلفةً بكثير، ومما لا شك فيه أن إحدى الخطوات الحاسمة تتمثل في أن تفي الدول الصناعية المسئولة عن هذه المشكلة المناخية بالتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًّا (على الرغم من ضآلة هذا المبلغ) إلى الدول النامية حتى تتمكن من التكيف والتحرك نحو اقتصادات أكثر مراعاةً للبيئة.
وما زالت تتوالى الأرقام القياسية في ارتفاع درجات الحرارة.
يُقدر متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2022 بأنه أعلى من متوسط ما قبل عصر الثورة الصناعية بنحو 1.15 درجة مئوية.
تَناول تقرير منظمة (Climate Central) الصادر في نوفمبر 2023 أن الأشهر الـ 12 الماضية (نوفمبر 2022 حتى أكتوبر 2023) كانت المدة الأكثر سخونة التي شهدها كوكب الأرض منذ 125 ألف عام على الأقل.
فقد بلغَ متوسط درجة الحرارة 1.32 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية وفقًا لتحليل البيانات الدولية الذي نشرته هذه المنظمة.
اقرأ أيضاً ما هو تغيُّر المناخ أو الاحتباس الحراري؟
ارتفاع درجة الحرارة في شهر أكتوبر
ومن جهةٍ أخري يَضمن شهر أكتوبر أن عام 2023 سيكون العام الأكثر سخونة على الإطلاق، فقد عُدَّ شهر أكتوبر من هذا العام هو الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم، وبلغت درجة الحرارة نحو 1.7 درجة مئوية (3.1 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وكان شهر أكتوبر لعام 2023 أكثر دفئًا بمقدار 0.4 درجة مئوية (0.7 درجة فهرنهايت) من الرقم القياسي السابق لهذا الشهر في عام 2019. ثم إنه الشهر الخامس على التوالي الذي تُسجل فيه درجات الحرارة العالمية ارتفاعًا غير مسبوق وهو ما يُؤكد أنه العام الأكثر دفئًا على الإطلاق.
وهو ما يوافق ما صرَّح به ديفيد ري المدير التنفيذي لمعهد إدنبرة لتغير المناخ بجامعة إدنبرة. فقد قال: لقد اعتدنا على تساقط أرقام عناصر المناخ مثل أحجار الدومينو في السنوات الأخيرة، لكن عام 2023 هو لعبة مختلفة تمامًا من حيث الكم الهائل لتحطيم هذه الأرقام القياسية.
ويُشير التقرير ذاته إلى معاناة وتأثر معظم سكان هذا الكوكب من ارتفاع درجات الحرارة نتيجة للتغيرات المناخية خلال مدة الاثني عشر شهرًا، فقد شهد 7.3 مليار شخص نحو 90% من سكان العالم ما لا يقل عن 10 أيام من درجات الحرارة المرتفعة، ونحو 73% (5.8 مليار شخص) أكثر من شهر في ارتفاع درجات الحرارة.
وفي الهند شَهِد 1.2 مليار شخص أي ما يعادل نحو 86% من السكان ما لا يقل عن 30 يومًا من ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة بسبب تغير المناخ، وفي الولايات المتحدة بلغ هذا الرقم نحو 88 مليون شخص أو نحو 26% من السكان.
في حين توجد دولتان فقط هما أيسلندا وليسوتو شهدتا درجات حرارة أقل من المتوسط في هذه المدة.
اقرأ أيضاً الغلاف الجوي أكثر من مجرد طبقات
مؤشر التحول المناخي CSI
تسببت الأنشطة البشرية في ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، فوفقًا لتقرير منظمة (Climate Central) ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 1.3 درجة مئوية منذ عام 1850، لكن كثيرًا من متخذي القرار وصانعيه لا يبالون بارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية وما سيترتيب عليها من خسائر لا حصر لها في المستقبل القريب.
وعوضًا عن ذلك تَتَمثل مشكلات تغير المناخ على نحو رئيسٍ في التحولات في درجات الحرارة اليومية وأنماط الطقس في المكان الذي نعيش فيه، وتختلف التأثيرات السلبية لهذا التحول باختلاف المنطقة والظروف البيئية والاقتصادية والسياسية المحيطة بها.
ويستخدم مؤشر التحول المناخي هذا لقياس التأثير المحلي لتغير المناخ على درجات الحرارة اليومية في جميع أنحاء العالم.
ويُحدد مؤشر CSI مقدار التغير المناخي الذي يسببه الإنسان والذي أدى إلى تغيير احتمالات درجات الحرارة اليومية التي يعاني منها الناس محليًّا ـ واستحدثته منظمة Climate Central في عام 2022.
وفي حالة أن مقياس CSI يعادل الصفر يعني هذا أنه لا يوجد أي تأثير يمكن اكتشافه لتغير المناخ بسبب الأنشطة البشرية (أي لا يوجد تغيُّر معنوي في درجات الحرارة).
وتَتَراوح قيم مقياس CSI الإيجابية (1-5) ويبلغ الحد الأقصى لمقياس CSI المستوى 5 ما يعني أن مؤشر CSI يتضمن قيمًا أعلى لدرجات الحرارة.
فعلى سبيل المثال بحساب CSI لنحو 175 دولة كانت جامايكا هي الدولة ذات أعلى متوسط لـ CSI ، فقد بلغ متوسط مؤشر درجة الحرارة على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية نحو 4.5 من أصل 5 كحد أقصى.
وهذا يعني أن تغير المناخ كان له تأثير غير مسبوق على المتوسط اليومي لدرجات الحرارة، وشَهِد الشخص العادي في جامايكا ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من أربعة أمثال بسبب الأنشطة البشرية.
وأشار التقرير أيضًا إلى بلوغ مؤشر CSI 1 أو أكثر في نحو 13 دولة من أصل 17 في منطقة شرق إفريقيا، وبلغ عدد الدول التي لها قيم إيجابية (1- 5) نحو 108 دولة من أصل 175.
ومن المعلوم أن التأثيرات المناخية أقوى في العالم النامي في الوقت الحالي، لكن التأثيرات بين أغنى البلدان تتَسارع، وكان هذا ملحوظًا على نحو خاص خلال الأشهر الستة الماضية في النصف الأول، وفي المدة من (نوفمبر-أبريل) الحالي كانت المملكة العربية السعودية وإندونيسيا والمكسيك هي الدول الوحيدة في مجموعة العشرين التي بلغ متوسط CSI فيها أكثر من 1.
اقرأ أيضاً كيف يمكن حل مشكلة الاحتباس الحراري؟
نتائج ارتفاع درجة الحرارة
التأثيرات الاقتصادية
في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أدى حدوث ما يقرب من 24 حدثًا من أحداث الطقس المتطرف إلى مقتل ما لا يَقل عن 383 شخصًا وحدوث خسائر مالية تَجاوزت 67 مليار دولار أمريكي حتى الآن، وأدى الجفاف الناجم عن ارتفاع الحرارة في الأرجنتين إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% تقريبًا.
في حين وصل منسوب المياه في منطقة نهر الأمازون إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، ما أثَّر في توزيع المياه والغذاء على نحو نصف مليون شخص في شهر أكتوبر فقط، وأدى الجفاف الذي دام عامين في قناة بنما التي تُدير ما يُقدر بنحو 5% من التجارة العالمية إلى تَعطيل الممر التجاري الأكثر ازدحامًا في العالم لعدة أشهر.
الحرارة وحرائق الغابات والصحة
فيما عُدَّ أكثر الحرائق فتكًا في الولايات المتحدة في هذا القرن توفي نحو 93 شخصًا في ولاية هاواي، وفي كندا اضطر شخص من بين 200 شخص إلى إخلاء منازلهم بسبب حرائق الغابات التي أحرقت أكثر من 45 مليون إيكر واستمرت أشهرًا عدة.
وامتدت موجات الحر من شرق وجنوب آسيا إلى أوروبا وشمال إفريقيا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 264 شخصًا في الهند وأكثر من نحو 2000 شخص في إسبانيا، في وقت واجهت فيه أجزاء من البلاد أيضًا أكثر مدة جفاف منذ 500 عام. في إيطاليا ومع تَجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية في شهري أغسطس وسبتمبر لم تتَمكن المستشفيات من استيعاب عدد الأشخاص الذين يبحثون عن رعاية للأمراض المرتبطة بالحرارة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.