الــفــنــان الــمــغــربــي الشعبي الكبير المرحوم الأستاذ حسن العباسي المنسي

مما لا شك فيه أن الأغنية المغربية بشقيها العصرية والشعبية عرفت انتعاشًا ملحوظًا، وانتشرت جيدًا بفضل مجهودات الإذاعة المغربية التي تعد وسيلة الإعلام الأكثر انتشارًا.

فهي تختزن مورثًا غنائيًا مغربيًا من خمسينيات القرن الماضي، وتزخر برصيد كبير من الموروث الذي يحفظ كل ألوان الموسيقى المغربية من قطع غنائية عصرية وفنون أصيلة.

اقرأ أيضًا الذاكرة الشعبية وأعلام الغناء الشعبي السوري... المطرب الفنان إلياس حاصود المعروف أبو سهيل

تاريخ الأغنية المغربية

وتتوافر في الإذاعة مجموعة من الأغاني التي سجلت في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات على أسطوانة من 78 لفةً، وفي مقدمتها حصص الطرب الأندلسي والملحون والغرناطي.

تليها مجموعة من الأغاني للفنان المغربي الشعبي المرحوم الحسين السلاوي الذي سبق وأن نشرت عنه منصة جوك مقالًا فنيًا، والفنانة المطربة زهرة الفاسية.

ومع بداية الخمسينيات ظهر الشريط المغناطيسي الذي صار يعد ركيزة جديدة للعمل الإذاعي، فقد شرعت الإذاعة المغربية بالتوثيق الرسمي وحفظ هذا المخزون.

ويتوزع المخزون الصوتي الغنائي المغربي إلى شهر نوفمبر سنة 2005 حسب الشكل الآتي:

•   25000 أغنيةٍ عصريةٍ.
•  373 حصةً من الطرب الأندلسي.
•  1186 قصيدةً من الطرب الملحون.
•  148 حصةً من الطرب الغرناطي.
• 7069 أغنيةً أمازيغية بالتعبيرات الثلاث.

وترجع أقدم أغنية عصرية محفوظة في خزانة الإذاعة المغربية التي تأسست يوم 28 من أبريل سنة 1928 إلى يوم 20 من شهر نوفمبر سنة 1950 التي تحمل اسم (أضحى التنائي بديلًا).

وهي قصيدة من شعر ابن زيدون، ولحن وغناء الموسيقار المغربي المرحوم أحمد البيضوي عازف الجوق العصري لراديو المغرب.

في ذلك الوقت كانت تُنتج وتُروج وتذاع الأغاني المغربية العصرية والشعبية باستمرار، وكان لها الفضل الكبير في ذيوع صيت جميع الفنانين المغاربة الأوائل، الذين اشتهروا في سنوات الخمسينيات والستينيات.

وحققت الأغنية المغربية رواجًا لا نظير له لا سيما مع ظهور شركات الإنتاج التي كان يملكها مغاربة وفرنسيون في ذلك الوقت، وكانت تسجل عدة تسجيلات لأغانٍ مغربية وفرنسية اشتهرت كأغنية (بارد وسخون) التي كتب كلماتها الشاعر المغربي الكبير المرحوم علي الحداني، ولحنها الملحن المقتدر الأستاذ حسن القدميري -أطال الله عمره- وغناها عندليب المغرب الفنان المرحوم محمد الحياني.

وفازت هذه الأغنية بالأسطوانة الذهبية سنة 1972 بفضل ترويجها إحدى شركات الإنتاج الخاصة التي لم يستمر عطاؤها في هذا المجال وانسحب معظم العاملين فيها تاركة وراءها بعضًا من أرشيفاتها للمدراء المغاربة الفنيين الذين كانوا يشرفون على أنشطتها.

اقرأ أيضًا أهمية الفن في الحياة اليومية

الفن الشعبي المغربي

تزخر الساحة الفنية والثقافية في بلد المغرب الجميل بدءًا من مدينة طنجة عروس الشمال المغربي إلى مدينة الكويرة جوهرة الجنوب المغربي بعدد من المطربات المتميزات والمطربين المتميزين الذين ارتبط اسمهم بذاكرة الأغنية المغربية الأصيلة بصنفيها العصرية والشعبية.

وفي هذا المجال اختارت منصة (جوك) لقرائها الأعزاء هذه المرة أن تسلط الأضواء على أحد هؤلاء الفنانين الذين تخصصوا في إنتاج الأغنية المغربية الشعبية التي ارتبطت بحياة الإنسان المغربي بما فيها من لحظات الأفراح ولحظات الأحزان وأوقات الجفاف والخصب والحرث وموسم الحصاد، وإقامة الأعراس في أثناء قدوم فصل الصيف.

وبصفة عامة تجسد عفوية وتلقائية تلك الاحتفالية بما تقدمه الحياة من مظهر الخصب والتجديد، تلك الأغنية التي كان رعاة الغنم والبقر في البوادي والجبال الشاهقة يغنونها فيخترق صوتهم قممها إلى قلب السحاب، ويكسوها الصنوبر والفلين، فلا ترى العين سوى الغصون والأفنان والأوراق يغنونها.

إنه الفنان المغربي الشعبي الكبير المرحوم حسن العباسي المراكشي الذي ولد في سنة 1938 في مدينة مراكش الحمراء، حومة باب دكالة العريقة التي تقع في إحدى المقاطعات الشعبية الكبرى، ويغادرها في اتجاه حومة سيدي يوسف بن علي التي استقر فيها طوال حياته حتى انتقاله إلى جوار الله تعالى يوم 20 نوفمبر سنة 2013 تاركًا أسرة تتكون من زوجته وولدين وبنتين.

يعد الفنان المرحوم الأستاذ عبد الله العباسي من الفنانين المغاربة المنسيين المهتمين بالأغنية المغربية العصرية عمومًا والأغنية المغربية الشعبية خاصةً الذين عاشوا تحت الظل رغم أنه أنتج ما يزيد عن 60 أغنية مغربية شعبية أصيلة، وتحل الذكرى العاشرة لوفاته يوم الإثنين 20 نوفمبر سنة 2013.

اقرأ أيضًا العلاقة بين التغييرات في المجتمع والفن في أوائل القرن العشرين

تسجيله بالمعهد الموسيقي

سجل سنة 1952 في المعهد الموسيقي الموجود في المدينة، وتعلم أصول وقواعد الموسيقى العربية، وكذلك التدوين الموسيقي، ودرس إلى جانب عدة أساتذة بارزين في الساحة الفنية المغربية اليوم.

ومن بينهم الأساتذة عبد الله عصامي أطال الله تعالى عمره، والفنان الملحن الراحل عبد الرفيق الشنقيطي، وأحمد عواطف مدير المعهد الوطني للموسيقى والفن المسرحي سابقًا، والراحل مولاي حسن التسافي عضو الجوق الملكي سابقًا.

كان يهتم جدًّا بالسينما لا سيما الأفلام المصرية الغنائية التي كان يشارك فيها بعض الفنانين المصريين المشهورين آنذاك مثل المرحومين محمد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهم التي كانت تعرضها دور السينما باستمرار في المغرب، وكانت موجودة في المدن المغربية.

لكن تقلص عدد روادها بالإضافة إلى مشكلات القرصنة التي انتشرت من عدة سنوات على نحو واسع ودمرتها، وكذلك المعوقات التقليدية المعروفة.

اقرأ أيضًا الفنون الإسلامية: من أعظم الفنون التي أنتجتها الحضارات الكبرى

بداية اشتغاله المهني بالموسيقى

إلى جانب دراسته الموسيقية الأكاديمية التي أدت دورًا مهمًا في تكوين شخصيته الفنية انفتحت أمامه أبواب العمل مع مجموعة كبيرة من الفنانين المراكشيين الكبار في الأعراس المحلية الشعبية.

بالإضافة إلى أن حبه الكبير للفن جعل منه ممثلًا مسرحيًا، فقد قدم مجموعة من المسرحيات مع صديقه الأستاذ محمد منقار الذي شارك معه في إحدى المسرحيات الوطنية، جسد فيها دور المقاوم الباسل المرحوم علال بن عبد الله الزروال الذي برز بين أولئك الشباب الفدائيين المخلصين الآتيين من مدينة كرسيف الموجودة شرق البلاد.

ليبرهن على ما تتبناه أطراف المغرب من خلفية نضالية جسورة وراء المجال الحضري وفائدته، وليناضل على جانب إخوانه في مدينة الرباط ثائرًا ضد الاستعمار الغاشم وحيدًا تارةً وفي إطار مجموعات العمل الفدائي تارةً أخرى.

أما صديقه فقد أدى دور السلطان محمد بن عرفة الذي عينته الحماية الفرنسية في سنة 1953.

اقرأ أيضًا الفن التشكيلي وتأثيره في الثقافة والتاريخ

تأسيسه أول مجموعة موسيقية تحمل اسمه في مدينة مراكش

أسس حديثًا الفنان المرحوم حسن العباسي سنة 1954 مجموعة موسيقية تحمل اسمه، فقد كان يشتغل في مختلف الحفلات الشعبية التي كانت ينظمها في مختلف أحياء مدينة مراكش.

وكان دوره فيها المغني الرئيس بالإضافة إلى عزفه على آلة العود، وأصبحت هذه الفرقة من الفرق المعروفة التي يعتمد عليها سكان المدينة لإحياء أفراحها العائلية الخاصة والعامة.

اختياره تنشيط حفل الرقص الملكي في مراكش

بعد أن نال المغرب استقلاله يوم 18 نوفمبر سنة 1955 وفور عودة جلالة الملك محمد الخامس قدس الله روحه برفقة أسرته الملكية يوم 18 من شهر نوفمبر سنة 1955 من المنفى إلى أرض الوطن زار مدينة مراكش.

واختير الفنان المرحوم حسن العباسي وفرقته لتنشيط الحفل المتميز داخل أسوار القصر الملكي العامر بمشاركة أحد الموسقيين المشهورين وهو العازف على آلة الكونتروباص الأستاذ إبراهيم منكالا.

وقدمت فرقة الراحل حسن العباسي عروضًا موسيقية وغنائية نالت استحسان الملك الراحل محمد الخامس وولي عهده آنذاك الملك الحسن الثاني رحمه الله، وضيوفه القادمين من بلد الهند.

وقد ألحقه فيما بعد بأفراد الجوق الملكي في مدينة الرباط، وأصبح أحد الأفراد الأساسيين بالجوق الملكي بالعاصمة.

وظل الراحل يشتغل ضمن أفراد الجوق الملكي، فقدمت فرقة الراحل حسن العباسي عروضًا موسيقية، وظل الراحل ضمن الجوق الملكي إلى ما بعد جلوس الملك الحسن الثاني على عرش أسلافه المنعمين يوم 26 فبراير 1961.

ثم يختار المغادرة بسبب كثرة المشكلات التي كان يحكيها له بعض أفراد الجوق المذكورة سابقًا حسدًا وغيرةً على الحظوة التي نالها لدى عاهل البلاد ومحرر المغرب.

اقرأ أيضًا الفن المصري القديم وطبيعته

بعد مغادرته الجوق الملكي في الرباط

بعد مغادرته الجوق الملكي في الرباط رجع من جديد إلى مدينته مراكش، وبدأ يدرس الناس الموسيقى فوق سطح منزله بحومته المسماة (باب أحمر) التي توجد جنوب المدينة.

وعلى ذكر هذا الباب فقد شيِّد في أثناء بناء حي بريمة لتسهيل دخول السلطان إلى المصلى، وأعاد تسجيل بعض الأغاني الناجحة آنذاك لبعض الفنانين المغاربة الرواد أمثال المرحومين محمد فيتح وإبراهيم العلمي وحميد الزهير وغيرهم إلى جانب عودته مرة أخرى إلى إحياء حفلات للمجتمع المراكشي.

وفي ذلك الوقت قدمه أحد أصدقائه للفنان الكبير الأستاذ المعطي البضاوي الذي يعد من المنتجين الفنيين ليتفق معه على تسجيل أغنية جديدة اسمها (مولات الشانطة)، لكن الوقت كان قصيرًا بين إبرام هذا الاتفاق وبداية التسجيل.

فقد فكر الفنان الراحل حسن العباسي في الاستعانة بفنان شعبي مراكشي قدير آخر هو الفنان (قاش قاش)، وفعلًا أبدع هؤلاء الفنانون في مزج الأغنية بالميزان المراكشي والرشوش.

اقرأ أيضًا من فنون الفن المصري القديم في الدولة القديمة والوسطى والحديثة فن النحت

تخصصه في الغناء المغربي الشعبي

قيد الفنان المرحوم حسن العباسي حياته في الغناء الشعبي بعزفه على آلة العود وصوته الطروب بالإضافة إلى هذا فهو من الفنانين المراكشيين الشعبيين الذين وظفوا الآلات الموسيقية، وأنتجوا عددًا من الأغاني الشعبية التي حققت انتشارًا كبيرًا آنذاك، نذكر أشهرها هي (مولات الشانطة) التي ألفها ولحنها.

وفي ما يأتي قائمة بعض الأغاني التي كتبها ولحنها وغناها:

· مــولات الــشــانـطــة.

· أمي يــا أمـي.

· الـحــبـيبــة هــايــلــي.

· داويـنـي داويـنـي.

· ملات الشــانــطــة.

· نـوضي يا أمي اخطبي لي.

· طــلــة مــن الـدار.

· ما بقـى مـا يـتـقـال مـعــاك.

· بــغــيــت نــنــســاهــا.

· الـعـهـد.

· أنــت الــلــي بـغـيـتـي يــا لالة.

· يـا الـلـي فـي الــبــال.

· خـايـف عليك يـا قـلــبـي.

· سمــرا وزيــنـة ومــسـرارة.

· عــيــن أســردون.

· آش جـابـك تـهـضـر مـع بـنـتـي.

· فـرحـة عـيـد الـعـرش.

· عـيــد الــمــيــلاد.

· الـحـبــيـب الـغـالـي.

· الـزويـزو.

· الـراكـبـة فـي الـكـار.

· مـشـيـت الـزيـن.

· يــا أهــل الـبــاديــة.

· الــلي حـبـنـي حـبـيــتـو.

· نــادي الــصــحــراء.

· عيـد الأعــيــاد.

· الـفلاح.

· الـيوم الانـوار ضوات.

أما الأغاني الأربع التي نظمها له شعراء آخرون، ولحنها وغنائها هي:

· مــولات الــطــاكــســي، من كلمات الأستاذ الشاعر المهدي الأزدي.

· الشابـة الــعــصــريــة من نظم الأستاذ بن فضول العلمي.

· قــرة عـيـنيـك غــزالك، من نظم الأستاذ عبد الله العمراني.

· يــا أمــي ما تــخــطــبــيــليش، من نظم الأستاذ عمر العليوي.

اقرأ أيضًا علاقة الفن والفنانين بانتشار التفاهة

موهبة فنية خالدة

هذا هو الفنان المغربي الكبير الشعبي الذي نسيته وسائل الاتصال المغربية المرحوم حسن العباسي الذي رزقه الله تبارك وتعالى كثيرًا من المواهب الفنية من صغره حسب حوارنا الذي أجريناه مع ابنه الأستاذ زكرياء العباسي مشكورًا الذي لا يزال محافظًا على الأرشيف الفني الثمين لولده.

ولو رجعنا له بالتفصيل الدقيق في هذا المقال الصحفي الفني لضاق بنا المجال، إننا في أمس الحاجة إلى تأليف كتاب يحتوي حياته الاجتماعية والفنية والمعيشية بما فيها من تجاربه المختلفة التي مر بها قيد حياته.

ومع هذا كله إننا نطالب من جديد الجهات الرسمية المهتمة بشؤون الثقافة والفنون في بلدنا، وكذلك أعضاء المجلس البلدي المحترمين في مدينة مراكش أن يُطلق اسمه على أحد المعالم الثقافية أو الفنية أو التعليمية أو الرياضية، أو على بعض شوارع وأزقة مدينة مراكش.

أو غيرها من المدن المغربية لما في ذلك من تخليد الأسماء المغربية التي صنعت مجد تاريخ الأغنية المغربية الشعبية.

وذلك لإنعاش ذاكرة الأجيال الجديدة، وترسيخ قيم الوفاء والمواطنة بمثل هؤلاء الذين يستحقون هذا التكريم بما قدموه من إبداعات ثقافية وفنية ورياضية راقية وغيرها لهذا البلد الحبيب العزيز علينا جميعًا.

والجميل الذي يجب ألا ننساه في الوقت نفسه هو الأهمية التي يجب أن تحظى بها أسرة هذا الفنان، وهي تتضمن العمل على تحسين ظروف أفراد أسرة الفنان كافة المادية والاجتماعية رحمة الله عليه وأسكنه فسيح الجنات.