حرب بيروسيا الفوضوية في إيطاليا عام 41 ق.م

كان يترتب على أوكتافيوس عند وصوله إلى إيطاليا إدراك حل لمشكلة المكان، لتوطين قدامى المحاربين، الذين كان يتراوح عددهم ما بين مئة وخمسين ألف إلى مئة وسبعين ألف محارب. من الذين شاركوا في الحملة على مقدونيا من كلا طرفي النزاع في معركة فيلبي.

وقد وعدوا من قبل الحكومة الثلاثية الثانية بإدراك حل لهم وتوزيع المكافآت عليهم، لكن لم تكن هناك أرض خاضعة لملكية الدولة في إيطاليا لاحتوائهم.

وحينئذ وقعت المهمة على عاتق أوكتافيوس في تعيين ثماني عشرة مدينة في إيطاليا والأراضي والممتلكات، التي يجب أن تسند إلى قدامى المحاربين، فلم تكن هذه بالمهمة السهلة أبدًا، لكونها تهدد مركزهُ، وتثير الغضب والنقمة عليه، لكنهُ واجه هذه المهمة؛ لأنهُ كان ينظر إلى روما أنها مركز ومصدر القوى الحقيقية، وسيد روما هو سوف يصبح سيد العالم فيما بعد، لذا كان مصممًا على النجاح في المهمة، ومقاومة خصومه وإرضاء جيشه.

اقرأ أيضاً قيصر روما المقدس أوكتافيوس.. نبذة عن سيرته

طرد أوكتافيوس للمواطنين

إن الإجراءات التي اتخذها أوكتافيوس بطرد المواطنين وإخلاء المدن من سكانها، أدى إلى حدوث موجات غضب وتمرد، فاستغل هذا الأمر من قبل لوكيوس أنطونيوس الأخ الأصغر لماركوس أنطونيوس ويقال أن أنطونيوس هو من شجع أخاه على هذا الدور القيادي.

وكان لوكيوس أنطونيوس Lucius Antonius قنصل عام 42 ق.م مع زميله ببليوس سيرفلوس Publius Servilius؛ إذْ كان ينظر هو وزوجة أخيه فوليفيا في أمر أوكتافيوس وإقامته موكبًا للنصر عند عودته إلى روما، وأمسى المتصرف الوحيد في شؤونها؛ إذْ إنهم يعدونهُ لم يفعل شيئًا يستحق هذه القيادة والهيمنة.

وأخذ كلاهما شن حرب إعلامية بالضد منه من أجل الإطاحة بهِ، وأخذ لوكيوس يجمع الناقمين على أوكتافيوس ولا سيما من أعضاء مجلس السناتو، الذين كانت ميولهم للجمهورية؛ إذْ كانوا يعدون أكتافيوس مصدر خطر على استقرار البلاد ومصالحهم الخاصة، وكانوا يحأولون أن يعلنوا أن الحكومة الثلاثية غير قانونية، وأوكتافيوس عدو للدولة لكنهم فشلوا في كليهما.

وعلى الرغم من أن لوكيوس حاول جاهدًا في تشكيل تحالفات مع فصائل أخرى داخل روما وإيطاليا، لكنه لم يوفق في نهاية المطاف، وظل عدد جنود أوكتافيوس أكبر بكثير من جموع ملاكي الأراضي المحرومين والمتمردين، الذين أصبحوا تحت قيادة لوكيوس أنطونيوس، الذي دخل روما لكنه اضطر إلى الانسحاب شمالًا بسبب قوة أوكتافيوس، الذي وضع الحصار في ديسمبر عام 41 ق.م على مدينة بيروسيا Persia.

اقرأ أيضاً ماذا تعرف عن معركة فيليبي عام 42 ق.م؟

قساوة أوكتافيوس

إذْ انتهت الأزمة بمغامرة سياسية متمثلة بحلول كارثة بعد محاصرة وقتل عدد كبير من المتمردين، بعد أن هرب قائدهم من البلدة التي استسلمت لهُ في أوائل كانون الثاني عام 40 ق.م، على إثر سياسة التجويع، وذبح كثير من المواطنين، ولم يظهر الرحمة تجاههم، وأباح للجنود نهب المدينة وتدميرها بالكامل.

وإعدام ثلاثمائة من الذين اعتصموا في البلدة، وقد قدموا في المذبح الذي أقيم خارج أسوار بيروسيا، ومكرس لذكرى سنوية يوليوس قيصر في 15 مارس، وظل أوكتافيوس يحمل عبء هذه المجزرة مدة طويلة، تبين مدى قساوته وسياسته التعسفية.

أما أتباع أنطونيوس أنتهج معهم نهجًا مختلفًا تمامًا؛ إذْ تعامل مع لوكيوس باحترام وسمح لهُ بمغادرة إيطاليا، ليتولى مهامه في إسبانيا وعفا عن جنوده.

أما زوجة أنطونيوس فوليفيا فسمح لها بالذهاب مع ابنها إلى زوجها، أما والدة أنطونيوس جوليا فذهبت إلى سكتوس بومبي في صقلية، الذي كان في استقبالها؛ إذْ أرسلت فيما بعد إلى ابنها أنطونيوس تحمل عليه مقترح الصداقة مع سكتوس بومبي.

ومن العوائل التي لجأت إلى سكتوس بومبي عائلة طبريا كلوديوس نيرون مع زوجته ليفيا دروسيلا وابنه طبريوس، وهذا الأمر يوضح غرابة مصير هذه الأسرة، التي هربت من أوكتافيوس لتصبح بعد ذلك وارثة له.

اقرأ أيضاً ظهور أوكتافيوس عام 44 ق.م والمؤامرات التي قام بها ضد أنطونيوس

تدهور العلاقة بين أوكتافيوس وأنطونيوس

وبعد حصار بيروسيا وتسوية الأمور، وزَّع أوكتافيوس بعض الأراضي في بلاد الغال على جيوشه؛ إذْ كانت بلاد الغال تحت إمرة أنطونيوس، الذي صب اهتمامه أساسًا في المناطق الشرقية، فأصبح أوكتافيوس المسيطر الفعلي الوحيد ليس فقط في إيطاليا ولكن على الجزء الأكبر من أراضي غرب العالم الروماني.

وبموت حاكم بلاد الغال المعين من قبل أنطونيوس، سارع بتعيين أحد أتباعه هناك، وقد سمح للقائد لابيدوس، الذي كان مساندًا له في حربهُ هذه بالذهاب لحكم ولاية إفريقيا، وعندما علم أنطونيوس بمجريات الأحداث؛ عمل على التوجه إلى روما، فأصحبت العلاقة هشة ما بين أوكتافيوس وأنطونيوس، وعلى وشك الصراع فيما بينهما.

إن ما فعله أوكتافيوس في إرضاء الجيوش كان أمرًا لابد منه، لكون عدم إرضائهم وتمردهم عليه يفقده السيطرة على الأمور؛ لأن الجيش هو المرتكز الأول للقوة والسلطة، وبوجوده تمكن من القضاء على التمرد، على الرغم من الوحشية التي استعملت اتجاه المتمردين، لكنها عادت بمردود إيجابي جعلت الجنود ينظرون له على أنه الشخص الأول الذي يسعى لإرضاء جيشه، هذا الأمر زاد من ولاء الجيش واستمالتهم إليه.

رسالة ماجستير تاريخ قديم

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 27, 2023, 1:30 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 27, 2023, 12:09 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 27, 2023, 10:40 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 24, 2023, 8:36 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 21, 2023, 10:15 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 20, 2023, 7:15 م - امل مهدي صالح
نوفمبر 18, 2023, 11:58 ص - امل مهدي صالح
نوفمبر 14, 2023, 7:46 م - امل مهدي صالح
يوليو 11, 2023, 4:01 م - محمد أمين العجيلي
نبذة عن الكاتب

رسالة ماجستير تاريخ قديم