محمد محمد صالح عجيلي نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص

خاطرة "أبو وهبي والمستقبل".. خواطر إجتماعية

حين قررت فرنسا الرحيل عن سورية بعد احتلال دام أكثر من خمسة عشرين سنة، وبدأت في سحب قطع الجيش الفرنسي من المدن، كانت الرقة ما زالت بلدة صغيرة.

وكانت ثكنة للجيش الفرنسي في الجانب الغربي للبلدة، وما زالت هذه المحلة تُسمى بحي الثكنة حتى يومنا هذا، حيث أصبحت حيًّا كاملًا من أحياء الرقة.
جاء الأمر للقطع العسكرية الفرنسية بإخلاء الثكنة وانسحاب العساكر الفرنسيين للتجمع في مدينة حلب. تحرَّك العساكر الفرنسيون بناء على أوامر قيادتهم.

ونتيجة للنقمة الشعبية عليهم من السوريين تحرَّكوا للرحيل على عجل، في حين تجمع أبناء الرقة حين سمعوا بهذا يشاهدون رحيل جنود الاحتلال فرحين مستبشرين، هذا يسبهم وهذا ينهرهم وهذا يغلظ عليهم القول. لقد كانوا خليطًا من جنود فرنسيين وجنود استقدمتهم فرنسا من مستعمراتها في إفريقيا للخدمة الإجبارية في الجيش المحتل.

خرجت فلول العساكر مسرعين، في حين هاجم أبناء الرقة الثكنة أو كما كانوا يسمونها (القشلة) ينهبون بقايا ما تركه الفرنسيون. بعضهم سطى على ما تبقى من خزنات المال، وآخرون نهبوا بقايا الأسلحة، والبعض الآخر نهب بعض الآليات كالمتوسيكلات المعطلة التي لم يستطع الجيش الفرنسي حملها.

وآخرون نهبوا ألبسة العسكر والخوذات والبطانيات وحاجاتهم الخاصة، وترى أناسًا ينهبون الأثاث المتبقي في مكاتبهم. كان موسمًا لنهب الغنائم المشروعة من محتل مندحر عاث فسادًا في البلاد لأكثر من ربع قرن.

أما أبو وهبي فقد شوهد في آخر ركب الناهبين وهو يسوق أمامه إطار سيارة شاحنة يحرِّكه بهدوء وهو يمضي نحو البلدة.

التقاه أحد أبناء عمه فسأله: هيه يا ابن عم، أراك تسوق عجلة سيارة والناس أخذت حاجات شتى من مال وأثاث ولباس وأجهزة، وأنت اكتفيت بدولاب السيارة هذا. ما الأمر؟! قال أبو وهبي وهو لا يزال يسير بهدوء الواثق مما حصل عليه من غنيمة: هذا الدولاب له مستقبل.
قال ابن عمه: مستقبل ماذا؟! عن أي مستقبل تتحدث يا ابن عمي بهذه العجلة المستهلكة؟! أما كان حري بك أن تحضر شيئًا قيِّما كما فعل الباقون، واكتفيت بهذه العجلة! ما الذي ستفعله بها قل لي؟

أعاد أبو وهبي مقالته: ألم أقل لك إن له مستقبلًا. تجاوز أبو وهبي ابن عمه ماضيًا نحو البلدة، في حين وقف ابن عمه مندهشًا وهو يتساءل عن أي مستقبل يتحدث هذا الرجل؟!

بقلم محمد محمد صالح عجيلي

كاتب قصة قصيرة ومقاله منوعة ودراسات . له عدة مقالات وقصص في العديد من الدوريات العربية والمجلات .

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة