إن تفاهة طبيعتنا تضع أمامنا ثلاثة أمور:
الطموح والزهو (الغرور) والكبرياء. والفرق بين الزهو والكبرياء هو أن الكبرياء قناعة قائمة على أسمى قيمة للمرء في نقطة محددة، في حين أن الزهو هو الرغبة في دفع هذه القناعة إلى الآخرين.
والكبرياء يعمل من الداخل وهو تقدير مباشر للمرء، أما الزهو أو الغرور فهو الرغبة في الوصول إلى هذا التقدير بصورة غير مباشرة أي من الخارج. لذا نرى المغرورين ثرثارين وفخورين، ولكن المغرور حذر من آراء الناس الجيدة التي يجاهد من أجلها، وقد يحصل عليها بسهولة بالإصرار الهادئ بدلًا من الكلام، وأي شخص يحاول التظاهر بالكبرياء هو إذن ليس إنسانًا فخورًا، وسرعان ما يكف عن التظاهر.
إن الكبرياء قناعة قد تكون خاطئة بلا شك، وأعتقد أنه ليس إلا عند أولئك الذين ليس لديهم شيء يتباهون به. إن أرخص أنواع الكبرياء هو التباهي، وإن الأسلوب الوحيد لوضع نهاية لهذه الحماقة هو أن ترى بوضوح أنها تفاهة.
إليك تلك الحقيقة التي أوضحها الفيلسوف (آرثر شوبنهاور) وهي أن القيمة التي نضعها على آراء الناس ومحاولاتنا المستمرة في تقديرها والخوف الذي ينتج من آراء مبنية على أفواه الناس هي إلى حد ما لا تعادل أي نتيجة نأمل في الوصول إليها؛ لذلك فالاهتمام بموقف الناس وآرائهم يمكن أن نعده نوعًا من الهوس يتوارثه كل فرد.
في كل ما نقوم به وإلى حد ما نفكر فيه أولًا: ماذا سيقول الناس؟ فنصف متاعب الحياة إن لم تكن كلها وضجيجها تعود إلى قلقنا حول هذا التقدير، إنه القلق الذي يكمن في قاع كل شعور الاهتمام الذاتي.
إذن الكبرياء بكل أشكاله يكون في القاع ولا شيء سوى ذلك. ويمكنك أن ترى ذلك منذ نعومة أظافرك وعلى مراحل الحياة كلها.
ثمة كارثة تتغلغل في كل الأجيال القادمة وهو انشغال البشر كثيرًا بالرأي والانطباع الذي يأخذه الآخرون عنهم . ومع مرور الزمن ستطفو تلك الكارثة على السطح.
إن الحل النهائي لتلك التفاهة التي تعيق سعادة الإنسان عندما يعلِّق قيمته وسعادته الأبدية على ما يقوله الآخرون عنه هو التحرر، أو كما ذكرها دستيوفسكي في أحد منشوراته (الحرية إذن هي طريق العذاب الذي ينبغي أن يقطعه الإنسان حتى النهاية) فأصبح من الصعب اليوم شفاء نفس معاصرة من عللها الروحية بأدوية الماضي فحسب، بل على الإنسان أن يقف لنفسه ومع نفسه وقفة لا رجوع فيها، وقفة أخذ العهد فيها على المُضي قدمًا، وتكسير جميع ما ورثه من معتقدات وأوهام وتقاليد وعادات، وعلى الإنسان أن يمحو كل شيء يعيق تحرره ووصوله لحقيقته الأولى.
يتصف الكبرياء بأنه أشد الأمراض الروحية التي تصيب الإنسان في رحلته. إن عكس التواضع هو الكبرياء، وهو مرض روحي خطير جدًّا، إن لم يكن الأخطر، وهو الخطيئة التي أسقطت الشيطان، وخطورته تكمن في أن الإنسان عادة لا يشعر بوجوده، كمرض السرطان الخبيث الذي يتفشى في حياتنا شيئًا فشيئًا ويأتي بعواقب وخيمة.
قد يظهر الكبرياء في مواقف كثيرة في حياتنا، وأكبر علامة لوجوده هي الخصام والاستهزاء، فحيث الخصام والاستهزاء هناك الكبرياء، والوقاية منه هو فحص أنفسنا تحت مجهر الروح الواعية.
لا بد من المراجعة والترتيب لكل ما يخصك أنت؛ لأنك إن أصابتك لعنة الكبرياء لن تعود لموضع التواضع إلا بعد صفعة كرامة يعيدها الكون لك، كدرس لم تفهمه وعليك إعادته لاستيعابه جيدًا.
هذا ما تنص عليه حقيقتك التي تغفل عنها؛ لأن الكبرياء والغرور يتحدى حقيقتك الحرة النقية، ولن تصل لحقيقتك المتحررة إلا بعد انتقالك من عالم التفاهة والكبرياء والجاه والغرور العبثي إلى عالم له صفة أخرى من إدراك نفسك الحقيقية التي فيها يجتمع الكون برمته.
نوفمبر 19, 2023, 4:50 ص
موضوع هام وعرض شيق شكرا لك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.