تغيَّرت مخاوفي بعد صفعات خذلان كثيرة نزلت على روحي على نحو متتالٍ دون رحمة أو شفقة، أصبحتُ أشعر بقلق عميق اتجاه طيبتي الطفولية البريئة.. كيف، ومتى، ولمن أمارسها وأظهرها!
كيف يمكنني التمييز بين الطيبة الأصيلة والطيبة المصطنعة والطيبة الخبيثة؟ كيف يمكنني أن ألملم الشتات والضياع، الذي تسببتُ به لنفسي من أطراف النزاع المستمر بيني وبين المنافقين؟ أولئك الذين أظهروا محاسن نواياهم في موقف بطولي، وعندما حان وقت الحقيقة أبهروني في نفاقهم اللعين! أبهروني في زيفهم ونكرانهم للجميل.. أبصموني بعشرة أصابع وأكلمت عليهم بالعشرة الأخريات تأكيدًا على غباء ذكائي البريء..
متى سأصحو؟ متى سأستطيع أن أتغلب على طيبتي الغبية وأرفض ما يؤذيني ويؤذي كرامتي قولًا وفعلًا؟ ومن دون خجل من أن أتسبب بجرح أو قهر لأشخاص أذاقوني ضعف هذا الجبروت، لأصبح بنظر نفسي دون شفقة أو رحمة؟
متى أستطيع أن أرد صفعات الخذلان الواحدة تلو الأخرى دون تأنيب ضمير أو ندم يأكلني؟
سأفض بالكم الهائل من هذا الغباء؛ حتى أرى ركام طيبتي تنهال على روحي رميًا بحجارة تخدش مني جميع مواضع الألم الذي ضمدته بعد جهد جهيد، لوقف نزيف كاد أن ينهي مني كل جزء حي، وأصبح دون شعور، دون صدأ أو رد.. فهل يمكن هذا؟
أتساءل دائمًا وأعلم أن الجواب قادم من تلقاء نفسي.. أيعقل أن يعيش الإنسان دون شعور؟
حتى عدم الإحساس بشيء هو بحد ذاته شعور.
نعم، شعور.. ولكنه مستفز فيكفي بأنك تشعر بلا شيء، ويكفيك بأنك تحاول أن تشعر بما لا تشعر.
للأسف إنه صراع جبروتي يقهر.. يقيم بداخلك حربًا من نار، إطفاؤها ليس بتلك السهولة.. ليصل بك الأمر أن تطفو على روحك تجاعيد مميتة تنهش ما تبقى من أجزاء باتت شبه حية.
بينما أنت بالمحصلة تحاول الخروج بأقل الأضرار من هذه التجاعيد لتبقى روحك الممزقة على قيد الحياة دون تبلد، فحتى التبلد شعور.. لمجرد أن تقول بأنك تشعر بتبلد فهذا حقًا شعور.
لا يستطيع الإنسان أن يشعر بأنه لا يشعر.. فطالما أنت على قيد الحياة أيا كان حالك ممزقًا، محترقًا، سليمًا، مريضًا متعبًا!
ستبقى تشعر حتى ينتهي بك المطاف إلى عدم الشعور الحقيقي.. وهو الموت.
أأنت على قيد الحياة تتنفس وترى وتقع وتنهض؟
فهذا يعني بأن مهمتك لم تنتهِ بعد.. وإنما ما تمر به من تبلُد وضياع عبارة عن محطات استراحة تُساق إليها روحك لتشحن طاقة كبيرة، لتشرح لك بأنها لم تمت بعد، ولكنها قد احتاجت إلى قسط من الراحة كي تستطيع الإكمال بطريق طويل لم تنتهِ مطباته وحوادثه بعد.
ما أود إيصاله هو بأن الشعور فطرة خلقنا بها، فلا تموت الفطرة إلا بموت صاحبها موتًا أبديًّا، فغير ذلك هي لحظات هدوءٍ نفسية مهما كانت قاسية تمر بها أرواحنا بين الحين والآخر لتخبرنا بتعبها، وأن ما تتحمله فطرتنا قد خرج عن نطاق حدودها.. لتتبلد! فتحاول إصلاح نفسها بنفسها، فتعود بقوة صارمة تبدأ من جديد حيث توقفت.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.