أسرار الدحان نوفمبر 19, 2023, 12:07 م

خاطرة "المشاقر".. خواطر وجدانية

تلك الرائحة الأخاذة تربطني بالماضي الجميل، حيث تزهر أوراق الشجون في أعماقي، وتسبح مخيلتي طويلًا كلما شممت رائحة (المشقر) تلك النبتة العطرية الجميلة، التي حرصت جدتي على زراعتها في أطراف سطح منزلها المطل على وادٍ أخضر سحيق.

وفي كل مرة كنت أحاول فيها استطلاع الوادي، تمسك بيدي وتحرص عليَّ خوفًا من السقوط ثم تشدني إليها بحب، فتحتضنني فيغوص وجهي برائحة ثوبها الممزوج برائحة (المشقر والريحان)، وأظل متمسكة بثيابها فتتخلل الرائحة روحي حد الارتواء..

وعند كل مرة كانت تزورنا فيها جدتي كنتُ أعرف قبل دخولي إلى المنزل، فهداياها المميزة من اللبن وأشجار المشاقر التي تملأ بشذاها المكان والبُن المحمص بعناية لها وقعها الخاص في أعماقي..

لقد ارتبطت رائحة (المشاقر) برائحة جدتي وبجمال ذلك الصباح المختلف ورائحة قهوتها العبقة وصوتها الشجي.

لكن بعد أن ماتت جدتي ذبلت أشجارها واصفر الوادي.. ومات الكثير من الشغف والحب والأمان..

وكل ما يذكرني بها هو غصن (المشقر ) الذي لا يزال يحمل حنانها وروعة ضحكتها وجمال ذكرياتها..

فكلما اشتقتُ إليها أغطي وجهي وأغمره بين (المشاقر) لتحملني الذكرى ويعود بي الزمان..

لذلك حرصت كثيرًا على زراعتها والعناية بها؛ لأضع من أغصانها على قبرها البارد، ولتكن تلك الأغصان دواء لمصاب قلبي الأزلي بفقدان الأم، التي لطالما كانت شجرة العائلة الوارفة التي نستظل بظلالها إذا اشتدت شمس الزمان علينا، وبحنانها وحكمتها احتوتنا حتى ظننا أن لا خوف في الحياة أبدًا.

قد يرمم جرح الفراق آية قرآنية أو حتى نص أو أغنية أو قصة، لكن من النادر أن ترممه نبتة خضراء تنمو بسيقان ضعيفة وأوراق صغيرة، لكنها أشبه من أن تكون نبتة روحية تنمو هناك، حيث أوردة المشاعر وشريان الحب الأبدي الخالد.

هل يذكر التاريخ أن زهرة صفراء ووريقات من حب نمت في أعماقي حتى استفاضت بها روحي حروفًا وكلمات، وهل تمتلئ الروح بحب النباتات كما تمتلئ بحب الأشخاص ونصاب بها بأعمق نقاط الضعف لدينا، حتى نتوه تمامًا ونصاب بلهفة اللحظات وغرور المحب العاشق، الذي يتوه حتى بالتفاصيل الدقيقة وتحمله الذكريات بين جوانحها إلى مرافئ الذكرى وعمق اللحظات.

استكشف المزيد حول ذكريات الوجدان خواطر وجدانية

بقلم أسرار الدحان

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة