خاطرة "شفافية مواقع التواصل".. خواطر إجتماعية

حساباتنا المتفائلة صورت لنا أن الموقع هنا مساحة مفتوحة للرأي الحر الصادق، دون تزيين وإيهام رأيناه في وسائل الإعلام في شراء الهواء، وتصَدُّر بعض الأسماء لأسباب مختلفة كالواسطة أو التمويل.

اعتقدنا أننا تجاوزنا هذا في هذه المواقع، وأننا حظينا بشفافية خالصة، وقلنا إنها مساحات بلا رقيب، ولكن الحقيقة أنها كأي مكان في الدنيا يشوبه التزييف والصناعة.

 بل ولها أدواتها الخاصة في الرقابة بأسلوب يكاد يكون أسوأ من أية رقابة في العالم الحقيقي؛ لأن الموقع يتعامل معنا بالكم، ويحاول أن يستوعب الأعداد الضخمة بتحويلنا إلى أرقام يترك أمر التعامل معها إلى الذكاء الاصطناعي.

أن يفرز كلامها فرزًا عشوائيًّا، ويعطل الحسابات ويحذف المنشورات حذفًا لا يقبل النقاش، والمراجعة فيه أمر روتيني، ويفرض توجهاته بحجب كل ما كان من شأنه أن يبرز أي صوت مكافئ يعدل كفة الميزان.

 فهو لن يجعل لآرائنا مساحة فيما يتعلق بقضايا هي من صلب مكون المجتمع، كالقضية الفلسطينية ونبذ العدو، وأنت إلى ذلك لا تستطيع أن تقول رأيك في المث*ية مثلًا صراحة، وكأنك ملزم بأن تقبلها.

فحينئذ أيضًا يرفض الرقيب أن تتنفس عند السماح لأفكاره أن تدخل بيتك دون أن تبدي رأيك فيها، لا وجود لحرية بلا سقفٍ إلا في أحلام المراهقين، وكل مجتمع قبلت أن تحل عليه من حقه أن تؤدي بقواعده وليس بقواعدك ما دمت لا تملك القدرة على صناعة عالمك، يجب أن نعترف.

أما التزييف الذي ظننا أنه ليس موجودًا كما في وسائل الإعلام فهو موجود وبقوة، ومن بني جلدتنا قبل أي أحد، فهنا أيضًا من يملك التمويل يملك شراء حتى الصفحات الاجتماعية المرحة.

التي تظن وأنت تتابعها أنها تكتب بعفوية وتعلق على يومياتك وعاداتك وذكرياتك ومسلسلاتك المفضلة تلقائيًّا، في حين أنها ليست كذلك.

فيمكن لبعض هذه الصفحات أن يأخذ الأموال ويوهمك أنه يشاركك رأي المشرفين، وأنهم يستمدون هذا من الرأي العام الذي يرونه من واقع احتكاكهم، في حين أن هذا البعض يحاول أن يصنع هذا الرأي العام، ويصور لك واقعًا ليس حقيقيًّا.

وبقدر ما تكتشف هذه العين المدربة والعقل الناضج، فيوجد كثير من العقول البيضاء التي تنساق دون تفكير، لا سيما أنه يستخدم السخرية التي هي وسيلة رهيبة لإقناعك أن الأمر منتهٍ، والمتحدث فرد الدنيا وثناها!

فتجد أن الفائدة الوحيدة من إمكانية التعبير حرية تكاد تذوب وسط هذا الزيف، الذي تتخلله أيضًا المحتويات التي أنفِقَ عليها كثيرًا من الإعلانات الممولة، التي لا فائدة منها في الأغلب سوى تزيين المنشور بالتفاعل المجلوب.

الذي ينشأ بإظهار المحتوى بعشوائية لكثير من الحسابات، التي يتفاعل أصحابها مع أي شيء يظهر لهم لمجرد أنه يظهر لهم، كأنه روتين يومي، مع بعض التعليقات من المهتمين فيمن يظهر لهم هذا.

 بينما في الحقيقة المحتوى الشهي قادر على أن يروج نفسه بنفسه، وقد يظفر به أناس لم ينفقوا مليمًا من أجل إظهاره، ويدخل في هذا حقيقة الرزق والنصيب.

الذي قد يجعل أشياء تنتشر رغم قيود الموقع في الوصول أيضًا، والتي فرضها من أجل أن يزيد احتياجك إلى هذه الإعلانات، وأشياء لم يكتب لها أن تنتشر فلا تنتشر.

فضلًا على هذا أن الاستفادة الكبرى من هذه الحرية كانت من نصيب السفهاء، الذين تقلصت حرية تعبيرهم في التطاول على كل ما لا يروق لهم، وكانوا إذا رأوه في الواقع يستحون من مجرد التعليق عليه.

ويكتفون بالانصراف عنه، والتركيز على تفضيلاتهم في صمت، فأتاحته هذه المواقع ليفرغوا فيه كبتهم ونتاج جبنهم وسوء أدبهم؛ لأنهم لا يعرفون عن الحرية سوى هذا النيل من كل من تفوق عليهم، أو اختار أن يعيش بأسلوب لا يشبههم.

لا أقول هذا لأقبح هذه المواقع، بل لأنتصر لحقيقة أن يوتوبيا والعالم الملائكي الذي ينشده الحالمون لا وجود له في أي مكان في الدنيا، وأنَّ تخلل الزيف سنة كونية، ومكون أساسي من حياتنا.

ولن يستطيع أحد أن يخفيه من المعادلة وامتحان المعادن والأخلاق والتربية مهما حاول، حتى وإن ذهبنا إلى كوكب آخر، وليس مجرد كوكب افتراضي!

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 17, 2023, 7:32 م - سادين عمار يوسف
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 15, 2023, 8:56 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 15, 2023, 7:54 ص - عمرو عبد الحكيم عوض التهامي
نوفمبر 14, 2023, 4:39 م - رزان الفرزدق مصطفى
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 13, 2023, 12:03 م - سندس إبراهيم أحمد
نوفمبر 12, 2023, 2:15 م - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 12, 2023, 12:25 م - عامر محمود محمد
نوفمبر 12, 2023, 8:47 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 12, 2023, 6:13 ص - شهير عادل الغاياتي
نوفمبر 11, 2023, 3:32 م - حسام الدين محمد حافظ حسين
نوفمبر 8, 2023, 4:43 ص - شهاب الشهابي
نوفمبر 6, 2023, 4:31 م - ساره محمود
نوفمبر 6, 2023, 11:20 ص - سعيد مجيود
نوفمبر 5, 2023, 10:41 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 5, 2023, 7:19 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 5, 2023, 6:26 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 4, 2023, 8:46 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
نوفمبر 4, 2023, 5:59 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 3, 2023, 6:55 ص - محمد بخات
نوفمبر 3, 2023, 5:13 ص - وفاء حمزه سعيد
نوفمبر 2, 2023, 11:59 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 2, 2023, 8:35 ص - سمير الطيب عبد الله
نوفمبر 1, 2023, 4:19 م - ياسر الجزائري
نوفمبر 1, 2023, 11:00 ص - عائشة صلاح الدين
أكتوبر 31, 2023, 11:32 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
أكتوبر 31, 2023, 7:33 ص - كامش الهام
أكتوبر 30, 2023, 12:26 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
أكتوبر 30, 2023, 10:16 ص - محمد بخات
أكتوبر 30, 2023, 9:46 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 29, 2023, 4:26 م - محمد محمد صالح عجيلي
أكتوبر 29, 2023, 10:07 ص - حامد محمد النعمانى
أكتوبر 28, 2023, 8:57 م - إسلام عبد الكريم السنوسي
أكتوبر 28, 2023, 2:49 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 28, 2023, 6:34 ص - نعيمة وائل
أكتوبر 28, 2023, 6:23 ص - ميدو ابن القاهرة
أكتوبر 26, 2023, 8:18 ص - مدبولي ماهر مدبولي
أكتوبر 25, 2023, 4:03 م - محمد نحمد الله المناضل
أكتوبر 24, 2023, 11:58 ص - غزلان نعناع
أكتوبر 24, 2023, 6:26 ص - يزن مهند محمد
نبذة عن الكاتب