يوجد ضعف واضح في الأداء اللغوي لمدرِّسي اللغة العربية عامة، ولا يعود سبب هذا الضعف بالضرورة إلى خلل في التركيب.
بل هو نتيجة لنقص المعرفة، وأن العلاقة بين المعلم والكتاب قد انهارت؛ لأن المعلم يجب أن يكون دائمًا على علم جيد، وله علاقة قوية بالكتاب.
والغريب أن الحضارة الغربية تحصد العلم والمعرفة، ويتهموننا بأننا شعب لا يقرأ؛ لأن عندهم الكتاب الأسود، أي كتاب الظلام، الذي لا تُقرأ صفحاته إلا قبل النوم، ومكانه غرفة النوم.
والدفتر المرافق أو دفتر الجيب الذي يرافق الإنسان في أثناء السفر، أو في أثناء انتظار القطار، أو في أثناء وقت الفراغ، أو في أثناء انتظار طلب الطعام في أحد المطاعم، أو في الحالات الأخرى التي يظل فيها الشخص حرًّا من العمل وفي أثناء انتظار شيء ما.
اقرأ أيضًا مهارات تحسن قدرتك اللغوية.. تخلص من كسلك اللغوي
أهمية المكتبة الشخصية
نحن لا نطلب هذه الدرجة من الحميمية مع الكتاب، ولكن يكفينا أن الكتاب يرافقنا في مواقع البناء وفي مواقع الإعداد للعمل، ولن يتم ذلك إلا عن طريق إعداد مكتبات شخصية أو عامة تحتوي على المصادر الأساسية وتسهم في تنمية المكتسبات اللغوية والمعرفية لدى المعلم الذي يحتاج باستمرار إلى تغذية وتجديد معارفه، وهو ما لا يتم إلا بمواصلة القراءة والتعلم.
إن مدرس اللغة العربية (أو أي تخصص آخر) لا يكفيه الحصول على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية لممارسة التدريس، بل يحتاج إلى تجديد معارفه باستمرار.
ولذلك فإن توفر المكتبة الشخصية للمعلم أمر ضروري؛ لأنه يساعد في تحسين الأداء اللغوي للمعلم وسد الفجوات المعرفية والحفاظ على المستوى المعرفي. وتُعد المكتبة المنزلية بما تحتويه من كتب في التخصص عاملًا مساعدًا في تحقيق هدفين مطلوبين في التدريب المعرفي للمعلم.
الهدف الأول هو تكوين ثقافة القراءة والحفاظ عليها، وبذلك يبقى المعلم قادرًا على متابعة البرامج والبحوث التي يجدها في تخصصه.
ويشمل إعداد المكتبة بالضرورة مرحلتين، مرحلة امتلاك المصادر الأصلية، مثل لسان العرب، وكتاب الأناشيد، والبيان والتبين، وأسرار البلاغة، والمدونات الشعرية والشعراء، بالإضافة إلى بعض النصوص العامة عن تاريخ الأدب العربي وكتب النحو.
وتُعد هذه العناصر حجر الأساس في بناء مكتبة متخصصة في المنزل. أما الخطوة الثانية فتتكون من تزويد هذه المكتبة بالكتب التي يتبعها المعلم على مستوى آليات التدريس والمقاربة أو على المستوى المعرفي.
والهدف الثاني هو إعداد الدروس بطريقة علمية، ويتطلب ذلك التحقق من المعلومات والمفاهيم والجمل، وهو ما يسهِّل الرجوع إلى هذه المصادر.
وهذا هو الدور المباشر للمكتبة، في حين أن الدور غير المباشر، وهو الأهم لنا، هو أن الاستمرار في القراءة هو عمل أكيد لتحسين أداء المعلم وأساليب التدريس.
اقرأ أيضًا الباحثون والذكاء اللغوي والفكر وكيفية استخدامه
توفر المكتبة المدرسية
إن إعداد المقرر يحتاج بشدة إلى هذه المصادر التي يجب على المعلم أن يجدها أمامه ليبحث عن معنى جملة ما، أو تعريف شاعر أو كاتب، أو تفصيل ظاهرة لغوية وتمثيلها.
وإضافة إلى اللغة العربية، يجب أن يظل المعلم في حالة بدنية جيدة، وهذا هو الحال الذي نحصل عليه بالاستمرار في القراءة.
والمسألة الثانية التي لا تقل أهمية هي مدى توفر المكتبة المدرسية، والتي تختلف في تشكيلها ودورها إلى حد ما عن المكتبة الشخصية.
وعلى الرغم من أن الأهداف واحدة تعد مكتبة المدرسة بمنزلة مكتبة مساعدة للمعلم.
ويجب أن تحتوي على قسم من المعاجم والموسوعات وبعض كتب القراءة، كمجموعات الشعر أو الروايات وأعمال التراث السردي؛ لأنها تؤدي دورين: التدقيق بين الحين والآخر في بعض الكلمات لتحديد مفاهيمها ومعانيها، ودور استغلال وقت الفراغ خلال ساعات العمل في القراءة.
وتؤدي هاتان المكتبتان دورًا مهمًّا في استقرار الأداء اللغوي للمعلم وتطويره. فمثلًا عندما يقدم المعلم في مقرره شرحًا لنص أو بيان ظاهرة لغوية فإنه يحتاج إلى الاسترشاد باللغة العربية التي يجب أن تكون لغة التواصل بينه وبين طلابه.
وحتى يتمكن من ذلك يمكن أن يكون قدوة جيدة ويكون موضع تقدير الطلاب في هذه اللغة، فلا يليق بمعلم اللغة العربية أن يتكلم باللهجة المحلية.
كما يحتاج المعلم إلى استحضار المعرفة المكتسبة من هذه القراءات لتنفيذ مقرراته المعجمية واللغوية والدلالية والعلمية.
اقرأ أيضًا الكفاية اللغوية للمعلم
تواصل المعلم مع الطلاب
إن أهم السلبيات التي يعيشها التعليم حاليًا هي عدم قدرة المعلم على التصرف الصحيح لغويًّا ومعرفيًّا وخلق نوع من التواصل مع الطلاب يثير اهتمامهم باللغة العربية ولا ينفرهم منها.
وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق التواصل المعرفي والإتقان اللغوي الذي يتحقق بالقراءة واستمراريتها.
ويمكنني أن أضرب مثالًا واضحًا: كتاب مثل لسان العرب لابن منظور لا بد منه في مكتبة العائلة وفي مكتبة المدرسة، ونحتاج إليه باستمرار.
فهذا القاموس هو المصدر الرئيس للغة العربية وللتحقق من العبارة أو الكلمة، وشرح مفاهيمها، وبيان استخداماتها المختلفة، والتأكيد عليها، وهل هذه كلمة عربية صحيحة أم أنها جاءت من مستخدم أجنبي؟
بالإضافة إلى ذلك فإن هذا القاموس هو قاموس موسوعي ويمكن أن يشمل القصص القصيرة والأشعار والأمثال.
وخذ على سبيل المثال الإعداد اللغوي للمعلم وتحسين أدائه. يحتاج المعلم في مراحل التدريس المختلفة إلى تعزيز لغته، وهو ما لا يتحقق إلا بمواصلة القراءة.
حتى القواعد اللغوية، إذا ظلت مجردة، فلن يحسن الأداء. لذا فإن المكتبة المدرسية ضرورية جدًّا على مختلف المستويات.
فعلى مستوى الحلقات التعليمية الأولى يجب على المدرسة أن تعمل على تغذية مكتباتها بالقصص القصيرة الموجهة للطلاب والكتب العلمية والتربوية التي تتميز بالبساطة وحسن اختيارها من حيث عرض المعلومات وأساليب العرض، ومن حيث البنية اللغوية والنزاهة.
ويجب على معلم اللغة العربية أن يستخدم هذه الوسائط لغرض مزدوج: تشجيع الطلاب على استخدام هذه المكتبة، والاستفادة منها في عرض وتبسيط بعض المعلومات.
اقرأ أيضًا الوظيفة اللغوية في النحو العربي
تحديد مستويات التدريس
والأمر نفسه ينطبق على تحديد مستويات التدريس؛ لأن المعلم يحتاج إلى أداء لغوي جيد في جميع المراحل، ولكن لكل مرحلة أدواتها وموادها وقراءاتها الخاصة.
ولا يمكن لمعلم الصف الحادي عشر أو الثاني عشر أن يدرس المتنبي أو ابن زيدون من الكتاب المدرسي حصرًا، بل يجب عليه إنشاء مكتبة ذات توجهات مختلفة، من تاريخ الأدب إلى دراسة الظواهر الأدبية والتحليل القانوني.
بحيث إذا قدم قصيدة للمتنبي أو غيره تستفيد ويكون لها أثر إيجابي. والزيادة التراكمية التي تتيح للطالب أن يتدرب على نحو كامل ويهتدي باللغة دون تعثر أو ارتباك أو اللجوء إلى العامية.
إن أداء اللغة العربية لا نحصل عليه فقط بحفظ القواعد اللغوية، بل من تكوين احتياط من القراءة والكتابة والمعلومات، ما يجعل أداء المعلم جيدًا وسليمًا.
ثم إن الوصول إلى المصنفات الأدبية، ولا سيما المصنفات المعروفة والمشهورة، يُسهم في تثبيت المعلم للغة وتطويرها.
ويوجد أمر مهم لا يكاد يدركه القارئ أو المطلع، وهو أن عملية القراءة تمثِّل بتراكمها نموًا لغويًّا واحتياطًا معجميًّا، يتيح للمعلم أن يتكلم لغة عربية سليمة وآمنة جارية على لسانه دون تفكير، وهذا يكون على نحو طبيعي وتلقائي.
إن إنشاء مكتبة في المنزل والمدرسة والرجوع إليها بانتظام يمكن أن يجعل معلمي اللغة العربية قدوة مهمة في التدريس، وتجنب الأخطاء اللغوية وفجوات الأداء التي يقع فيها المعلمون اليوم والتي تنتج عن نقص المعرفة والاعتماد على ما هو موجود لديهم فقط.
ولذلك فإن تحضير الدرس وعرضه وشرحه أمام الطلاب ليس بالمهمة السهلة؛ لأن دور المعلم ليس أن يعلم كلمتين أو معلومتين وينساهما بعد الخروج من الفصل الدراسي، بل هو منشئ العقل ومدرب الفكر ومحفز لتشجيع الطلاب على التعلم والتعلم وفهم الأشياء.
ولذلك كان من الضروري أن يكون هو القدوة والقائد في إتقان اللغة العربية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.