في المشفى سعاد تجلس في غرفة الممرضات، واضعة يدها على خدها مهمومة، تفكر بكلام وفاء الجارح لها، تخرج صورة سارة من جيب معطفها وتحدق بها، وتنزل دمعة من عينيها، تحسس بأصابعها على ملامح وجهها وتقبلها وتحطها على صدرها، وتسحب نفسًا عميقًا إلى رئتيها.
تعقد حاجبيها بغضب مصوبة بصرها على وفاء:
- لا يحق لك أن تهيني أختك وتنعتيها بالفاشلة!
- وما شأنك أنت؟! هذه هي الحقيقة وابلعي لسانك أفضل لك!
- كيف أصمت وأنت تعايرين أختك المسكينة بما كان في الماضي؟!
- نعم أعيرها! لا تتفوهي بكلمة، وإياك أن تدافعي عنها، ألم تسألي نفسك لماذا فعلت كل ذلك بنا، وقاطعتنا وتركتني بمفردي أنفق على هذا البيت؟!
- وفاء أنت تعلمين أن سعاد مظلومة وكانت تجهل أشياء كثيرة في الحياة.
- آه مظلومة صدقتك.. مرحبًا مظلومة.
- اتق الله فيما تقولين، واستغفري ربك.
تشيح بوجهها عنها وتدلف خارجًا.
بعد ساعتين سعاد تجلس في المطبخ، تقطع الخضار للسلطة، تبكي بهدوء قامعة صوت نشيجها.
هناء وصالح يتحدثان ويبتسمان، يمر على ذاكرتها الخلاف الذي نشب بين سعاد وزوجها من جهة ووالدها وأمها من جهة أخرى، تتنهد بعمق وينتبه إليها:
- ما بالك يا هناء؟ هل من شيء؟
- كلا فقط مر على خاطري ذكرى زواج سعاد والمشكلات التي حدثت بيننا وبين زوجها وأهله.
- هذه قسمتها ونصيبها لا تزعلي يا هناء، سيعوضها الله حتمًا بالذي أفضل منه.
في غرفة الجلوس يخاطب أمه بنبرة جافة:
- إلى متى يا أمي انتظر! أريد أن أتزوج هل ماجد أفضل مني؟!
- من قال ذلك؟! لكن في الأقل وفر قليلًا من راتبك حتى نساعدك ونخطب لك.
- أنت تعلمين أني لا أمتلك شيئًا وراتبي قليل فضلًا على ذلك يأخذ والدي منه.
- كم يأخذ منك يا حسرة عشرين دينارًا! هل هذا مبلغ تتحجج به وتشتكي، اخجل من نفسك.
- لا يهمني كل كلامك، اخطبي لي والله سيدبر كل شيء.
يخرج مزمجرًا، تتنهد بكدر محدثة نفسها: «آه يا علي جلبت همًا جديدًا لنا! اللهم أعني أن أجد له الزوجة التي يريدها، لا أدري من أين يأتيني هذا الهم، هذه آخرتها يا علي تتمنن علينا بعشرين دينارًا نأخذها منك! لك الحمد يا رب على كل حال».
تنكفئ على نفسها وقد علا صوت أذان العصر قائلة: «مرحبًا بذكر الله، فرجها يا مالك الملك».
- اقرأ أيضاً رواية الأيام بيننا الجزء الأول
- اقرأ أيضاً رواية "الأيام بيننا" ج178.. روايات عربية
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.