يعد الصدق أفضل القيم والفضائل وأعلاها شأنًا، كما يعد الكذب أسوأ النقائص والصفات الخبيثة، ومنه تتفرع مجموعة من الصفات السيئة التي لا تليق بالإنسان المحترم ولا تليق بالمجتمع صاحب المبادئ والقيم والأخلاق.
وفي السطور التالية نقدم لك قصة قصيرة عن الكذب، توضح أهمية الصدق وخبث وسوء عاقبة الكذب وصاحبه.
اقرأ أيضاً مؤلفات يحيى حقي وأشهر أعماله ورواياته
قصة قصيرة عن الكذب
يحكى أن شابًّا يدعى إسماعيل كان يدرس في الجامعة، وكان إسماعيل من أسرة فقيرة في إحدى القرى في ريف مصر، وكان يحكي لأصدقائه وزملائه في الجامعة عن أهله في القرية، قائلًا إنهم أغنى أغنياء القرية، وإن أباه هو عمدة القرية ورئيسها وزعيمها، وإنهم يملكون منازل وسيارات عدة، إضافة إلى الأراضي الزراعية والأموال التي في البنوك.
كان إسماعيل لا يكتفي بستر فقره وظروفه الصعبة، بل كان يتمادى في الكذب والمبالغة لدرجة جعلت أصدقاءه يتحدثون عن أمواله وأراضيه وأملاكه في القرية، رغم أن الفتى كان لا يملك في جيبه ما يكفي ليعيش يومين متتاليين.
مرت الأيام وجاءت إجازة نصف العام، وذهب كل من الطلاب إلى بلده، وعاد إسماعيل الفتى الفقير إلى قريته ليقوم بما يقوم به في العادة، وهو العمل أجيرًا في أرض أحد ملاك الأراضي، يتحصل على بعض الأموال يستعين بها على دراسته في الجامعة.
وأثناء مدة الإجازة اتفق الطلاب على الخروج وقضاء وقت ممتع في أحد هذه الأيام قبل عودة الدراسة، فاقترح أحدهم أن يذهبوا جميعًا إلى بلدة إسماعيل، الذي يتحدث عن أمواله وأملاكه وأراضيه لقضاء يوم ممتع في أحضان الريف الجميل.
ولاقى هذا الاقتراح قبولًا كبيرًا بين مجموعة الزملاء، واقترح أحدهم أن يكون الأمر مفاجأة لزميلهم الفتى الغني.
وبالفعل حددوا موعدًا وانطلقوا إلى القرية من الصباح الباكر حتى وصلوا إليها قبل صلاة الظهر ليسألوا عن منزل عمدة القرية، الذي استقبلهم بالترحاب الشديد وأجلسهم مجلس الضيوف وسألهم عن طلبهم، فقالوا إنهم زملاء الجامعة للفتى المدعو إسماعيل.
فسألهم عمدة القرية عن إسماعيل من يكون؟ فأجابوا أنه ابن عمدة القرية، فقال لهم عمدة القرية أنا عمدة القرية وليس لي أبناء بهذا الاسم، فقالوا إنه زميلهم في الجامعة، ثم قالوا إنه يدعى إسماعيل عبد العظيم، وإنه أخبرهم عن أملاكه وأراضيه وعن أبيه العمدة الذي يعد زعيم القرية.
اقرأ أيضاً 3 قصص للأطفال قبل النوم.. تعرف عليهم الآن
تفاجئ أصدقاء إسماعيل من حالته
فوجئ عمدة القرية بهذا الكلام، ونادى على أحد مساعديه، وقال له: اذهب وأحضر عم عبد العظيم الحلاق، وقل له: إن العمدة يريد حضوره فورًا.
ذهب الغفير بأمر العمدة وعاد بعم عبد العظيم الحلاق بعد دقائق معدودة، والذي أتى إلى العمدة مهرولًا وصائحًا أنا تحت أمرك يا حضرة العمدة.
فقال له يا عم عبد العظيم إن هؤلاء الشباب أصدقاء وزملاء لابنك إسماعيل في الجامعة، فقال له عم عبد العظيم أهلًا بهم ومرحبًا فليتفضلوا إلى منزلنا لنضيفهم.
وفعلًا ذهب الشباب وهم في حالة من الصدمة إلى منزل عم عبد العظيم، الذي بدا متواضعًا وفقيرًا ولا يمت بصلة إلى الصورة التي رسمها لهم إسماعيل في حكاياته عن بيته وعائلته ومركزهم المرموق في القرية.
ثم أرسل عم عبد العظيم في طلب ابنه إسماعيل من الأرض التي يعمل فيها، والذي جاء بعد دقائق معدودة وهو يمسك بالفأس ووجهه مملوء بالعرق وملابسه مملوءة بآثار الطين والماء، إذ كان يعمل بجد منذ بداية الصباح.
وقف إسماعيل أمام زملائه لا يتكلم بكلمة ووقف زملاؤه أمامه لا ينطقون بحرف واحد، كمشهد من أحد مشاهد السينما الذي يحتاج إلى كاميرا للتصوير، فالولد الكاذب قد انكشف كذبه، والأولاد المخدوعون في حالة صدمة كاملة، والأب الطيب الذي لا يعرف ما الحكاية يقف محرجًا ذليلًا، وكأنه ارتكب جريمة بكونه رجلًا فقيرًا.
عاد الأولاد إلى منازلهم، وعاد إسماعيل إلى بيته وجلس عم عبد العظيم على الأرض يبكي ويقول: لقد ربيتك وأدخلتك الجامعة لتصبح شخصًا محترمًا، لكنك أسأت استخدام العلم والتربية، فأصبحت شخصًا كاذبًا لا يقدر المجهود الذي أقوم به، ولا يحترم أباه ويحتقر ظروف أهله، فبدلًا من أن تصنع واقعًا جديدًا وتدفع نفسك للأمام، اتجهت إلى الطريق السهل، طريق الكذب والخداع، وها قد انكشف كذبك أيها المخادع، فخسرت نفسك وأصدقاءك، وحتى خسرت احترامي لك وأنت ابني الكبير فماذا ستفعل بعد الآن؟
اقرأ أيضاً 3 من قصص الأطفال قبل النوم.. احكها إلى طفلك
ندم إسماعيل على كذبه
بدأ إسماعيل في البكاء والنهنهة، ثم قام وقبل رأس أبيه ويده وانحنى ليقبل قدميه، ولا تزال الدموع تفر من عينيه معبرًا عن الندم والحزن على حاله.
ثم صاح لا يا أبي لن أكون كاذبًا بعد الآن، وسأعتذر لأصدقائي وسأظل طوال عمري أحاول أن أمحو هذا الخطأ الكبير، فأنت لم تعلمني الكذب، لقد علمتني أن أكون رجلًا وأنا الذي تحولت إلى طريق الكذب والخداع، إلا أنني أتوب إلى الله من الكذب وأرجو مسامحتك كما أرجو أن يسامحني أصدقائي.
فقال له أبوه عم عبد العظيم أتمنى أن تكون توبتك صادقة، فالإنسان يا ولدي يصبح بلا قيمة عندما يكون كاذبًا، فكل كلامك وأفعالك لا تساوي شيئًا عند الناس إذا كنت تنطق بالكذب، وأنت يا إسماعيل يمكنك أن تكون إنسانًا أفضل من ذلك بكثير، فأنت في الجامعة وتحتاج إلى قليل من الوقت لتبدأ حياتك العملية، فلا تبدأها بالكذب.
رد إسماعيل، نعم يا أبي أنا أقسم أمامك وأمام الله إنني لن أكذب بعد الآن، بل سأغدو إنسانًا صادقًا حتى لو كان الأمر يستحق أن أموت من أجله، فسأموت صادقًا أفضل من أن أعيش كاذبًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.