رواية «هرارة الرماد» ج1 .. قصص قصيرة

تدور أحداث الجزء الأول من الرواية عن الشخصيتين الرئيستين اللتين وهما الأخوان نصير ونظير في جبال وصاب العالي في اليمن. 

تعمدت في الجزء الأول من روايتي «هرارة الرماد» إظهار المشهد مقاربًا بالمحتوى لمشهد قابيل وهابيل في شخصيتين إحداهما بارة ومسؤولة والأخرى مستهترة وكسولة وعاقة. 

لكني في أحداث روايتي كنت شديدة الحرص على أخذ اتجاه معاكس لكل توقعات القارئ، محاولة خلق فانتازيا من العبث بالأحداث؛ لتوضيح قضية الجهل، وكيف يعبث الجهل بحياة الناس، بل وبتحديد مصائرهم وضياع الحقوق بين المجتمعات.

وفيما يلي سأسرد لك تفاصيل الجزء الأول من روايتي «هرارة الرماد» التي نشرتها أول مرة على مدونة أنامل عربية.

رواية «هرارة الرماد» الجزء الأول 

نظير ونصير

في وصاب العالي في بلاد اليمن؛ على تلك الجبال الشاهقة، كانت رمانة تعيش في كوخها المتواضع بعد رحيل زوجها غريقًا في السد أمًّا تكدح على ولدين. 

«عيال الأرملة» كان ذلك اللفظ يشعر نظير بالعار تجاه أمه، فلزم الدار حتى صار التخاذل والكسل جزءًا من نسيج ذاته المأخوذة بوعي العار وتسلط المتنمرين. 

كان كثير التسويف متخاذلًا ينشد غده من أحلام وردية يبنيها بعيدًا عن أنظار من لا يعترفون إلا بالواقع الطيني. 

واقع الحرث والحصاد، واقع رمي البذور وانتظار المطر، فغدا ملتصقًا على فراشه هائمًا في خيالاته، بلا عمل يعشق النجاح بغير سعي، ويحب الفائدة دون إنجاز. 

وعلى النقيض تمامًا كان نصير أو «الأتريك» كما كان يلقبه نظير مشدوها بغلبة الغيرة مطحون الفؤاد. 

فقد ضرب نصير منذ سن مبكرة سعيه في الأرض مهاجرًا إلى الحجاز في تجارة البن الذي كان يغرسه. 

ومرت الأيام حبلى بالأحداث لتلد لتلك القرية شابين في سن الزواج. 

كان على الرمانة العجوز أن تختار لهما زوجتين لائقتين كما جرت العادة لخدمتها. 

وهناك في ديوان الدار كان ذلك الاجتماع العائلي المصغر.

فغدت العجوز تقسم بينهم الدار والأبقار حسب حكمتها، فعرضت عليهما أن يأخذ كلا منهم غرفة من غرف الدار ويبيع إحدى الأبقار لتدفع ثمنها مهرًا لزوجته. 

وقف نظير بعموزه الرث وشحومه المتراكمة واختار لنفسه البهمة القوية التي لم يسبق لها أن وضعت عجلًا وقال لأمه مستبقًا للحدث خائفًا من أن يحوزها أخوه بسبق الاختيار، أنها من نصيبه وأنه سيبيعها وسيخطب ابنة شيخ القبيلة، موفرًا عليها جهد العناء في اختيار العروس!

رمقته العجوز بنظرة حائرة ثم سددت إليه كلمات ظنت أنها ستبعث نخوته متعجبةً:

"اخترت البقرة الصغيرة وتركت لأخيك الكبيرة العجفاء الناشفة التي لا نفع فيها!"

تمتم نظير ساخرًا:

«الكبيرة للكبير والناشفة للناشف»

فقطع نصير حبل الجدل المتوخى بتواضع ومهادنة وطلب من أمه أن تلبي له طلبه، وأكد لها أنه قد جمع من غربته ما يكفيه لتزويج نفسه مبتسمًا: «الصغيرة والكبيرة لك وحدك، أبقِ رجال واعرف أمور».

ظن في نفسه -وإن بعض الظن إثم- أن أخاه قد يتغير بعد زواجه ويصبح رجلًا مسؤولًا لا سيما أن شيخ القبيلة لن يسمح له بتجويع ابنته. 

أما العجوز رمانة فلم يرق لها ذلك الموقف خوفًا من تأسيس قصة معاناة مستقبلية ضحيتها نصير وظالمها نظير. ورأت في قابيلها وهابيلها خطرًا سيقض مضجعها. 

وبقيت توالي تلك النظرات العابسة إليه تترًا تنتظر منه أن يخجل ويعزف عن أنانيته تلك، لكن نظراتها كانت تدق على ناقوس شعوره بالنقص، فاستشاط غضبًا منها وارتفع صوته دفاعًا عن ذاته مبررًا:

«عجوز تحب المشكلات، ابنك يبيع البن لا حاجة له ببقش البقر ولا قروش الحمير»!

ظلت نظراتها المعاتبة ترمقه بقوة حتى إنها كادت أن تثقب جبينه وأردفت مستهجنة اختياره لابنة الشيخ فريع:

«من بين كل البنات اخترت البلهاء»!

ولم تكد تكمل جملتها تلك إلا وسعت حنشان على جبينه لا عروق الغضب وانتفض من مكانه وكأن الشيطان قد تلبس وجهه صارخًا في وجهها:

«أنت لن ترتاحي إلا بعد أن تدفنين نظير بيدك لتعطي المال والجاه كله لابنك نصير».

وقفت العجوز ترتجف ضعفًا يعتصرها خذلان العقوق، وأحكمت قبضتها على رأس عصاها، ليقف في الحال نصير بينها وبين تسديد قرعة قوية على صلعته محتضنًا أمه:

«يا رمانتي دعيه يأكل من الشجرة التي تشتهيها نفسه، فإن كانت حالية متعته وإن كانت مرة عالجته».

كان ذلك الجزء الأول من روايتي وهي أول رواية تحكي أحداثًا شبه حقيقية، وتطرح قضايا واقعية بصورة فانتازيا وخيال في مديرية وصاب العالي من محافظة ذمار في اليمن السعيد.

كاتبة قصص قصيرة ومقالات zubaidashaab@gmail.com

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

نوفمبر 17, 2023, 2:22 م

مبدعة كعادتك دائما

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

نوفمبر 18, 2023, 6:50 م

ابدعتي يا مبدعة

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

نوفمبر 26, 2023, 11:30 ص

احببت رواية هرارة الرماد جدا ❤️

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 30, 2023, 1:12 م - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 30, 2023, 9:41 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 30, 2023, 9:14 ص - حسن بوزناري
نوفمبر 30, 2023, 6:36 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 6:01 ص - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 28, 2023, 7:07 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 6:48 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 5:34 ص - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 27, 2023, 10:49 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 27, 2023, 9:50 ص - محمد عربي ابوشوشة
نوفمبر 26, 2023, 9:14 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:54 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 24, 2023, 9:55 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 24, 2023, 9:03 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 5:14 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 23, 2023, 3:18 م - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 23, 2023, 11:13 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 10:15 ص - سومر محمد زرقا
نوفمبر 23, 2023, 9:11 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 22, 2023, 1:01 م - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 22, 2023, 9:13 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 21, 2023, 5:02 م - أحمد عبد المعبود البوهي
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - هبه عبد الرحمن سعيد
نوفمبر 20, 2023, 7:07 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 19, 2023, 12:12 م - التجاني حمد احمد محمد
نوفمبر 18, 2023, 11:20 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 18, 2023, 10:59 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 16, 2023, 2:07 م - بوعمرة نوال
نوفمبر 15, 2023, 8:43 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 14, 2023, 4:49 م - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 14, 2023, 2:00 م - سالمة يوسفي
نوفمبر 14, 2023, 7:57 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 14, 2023, 6:19 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 7:38 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 6:59 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 12, 2023, 8:39 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 11, 2023, 2:17 م - منال خليل
نوفمبر 11, 2023, 7:49 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 10, 2023, 12:05 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 10, 2023, 9:02 ص - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 9, 2023, 9:49 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 12:36 م - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 9:53 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 7, 2023, 9:46 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 7, 2023, 9:35 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 7, 2023, 9:19 ص - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 7, 2023, 5:10 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 6, 2023, 11:03 ص - بدر سالم
نوفمبر 5, 2023, 10:20 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 4, 2023, 8:32 م - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 4, 2023, 3:28 م - ناصر مصطفى جميل
نوفمبر 4, 2023, 2:19 م - بدر سالم
نوفمبر 4, 2023, 10:57 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 3, 2023, 7:42 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 3, 2023, 5:45 ص - ياسر الجزائري
نوفمبر 2, 2023, 9:19 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 2, 2023, 9:14 ص - إياد عبدالله علي احمد
نوفمبر 1, 2023, 3:12 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 12:52 م - ماجد محمد رضوان
نوفمبر 1, 2023, 11:39 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 8:10 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 1, 2023, 6:21 ص - نجوى علي هني
أكتوبر 31, 2023, 7:34 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 7:16 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 7:06 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 6:50 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 6:42 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 1:59 م - أسماء خشبة
أكتوبر 31, 2023, 1:37 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 9:17 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 5:50 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 30, 2023, 4:27 م - نجوى علي هني
أكتوبر 30, 2023, 10:35 ص - أسامة جاد الرب محمود
أكتوبر 30, 2023, 9:30 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 30, 2023, 9:07 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 30, 2023, 5:55 ص - غزلان نعناع
أكتوبر 29, 2023, 8:29 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 29, 2023, 3:40 م - عذراء الليل
أكتوبر 29, 2023, 10:48 ص - جوَّك آداب
أكتوبر 29, 2023, 10:29 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 29, 2023, 9:50 ص - منى محمد على
أكتوبر 29, 2023, 5:38 ص - نجوى علي هني
نبذة عن الكاتب

كاتبة قصص قصيرة ومقالات zubaidashaab@gmail.com