نص وصفي قصير يجمع بين الواقع والخيال

لأننا أمة اللغة العربية فإننا دائمًا ما نستمتع بتشكيلات اللغة وفنونها، ونجد أنفسنا دائمًا في عبارة عميقة أو جملة معبرة أو صورة لغوية بارعة في قصيدة.

ومن أروع وأجمل أشكال التصوير اللغوي النصوص الوصفية التي تمزج الواقع بالخيال، وتصنع ما يسمى بالإحالة البصرية، فتجعلنا نرى الأشياء كأنها أمامنا من روعة ودقة الوصف، وكذلك تجعلنا نطير إلى عالم من الخيال الممتع مع التشبيهات والتصوير والمزج الرائع الذي يصنعه الكاتب في النص الوصفي.

وفي هذه المقالة سنقدم مجموعة من النصوص الوصفية القصيرة التي تجمع ما بين الواقع والخيال جمعًا لطيفًا وسهلًا بغرض التعرف إلى النصوص الوصفية، وكذلك الاستمتاع بالتصوير والزخرفة اللغوية.

اقرأ أيضاً الفرق بين المقال والتقرير

نص وصفي قصير

أمي

ذلك الكائن الرائع الذي يتحرك بخفة الفراشات رغم أنه يحمل على كتفه أثقال السنين والأيام.

 تقف أمي بجسدها الهزيل الذي يشبه غصنًا جافًا في شجرة عجوز أمام الموقد لتصنع لنا الطعام كأنها عالم في مختبر يجري أبحاثه للخروج بنتيجة هائلة، ودائمًا ما تنبعث هذه الرائحة التي تستطيع أن تحرك الأحجار من مكانها، فرائحة طعام أمي لا يضاهيها شيء في هذه الحياة.

ملامح أمي الطيبة التي صنعت فيها السنين خطوطًا وتجاعيد تبرز منها عيناها الواسعتان اللتان تستطيعان أن تخترق الجدران بنظرة ثاقبة لتعرف ماذا نخبئ في صدورنا؛ لذا كنا جميعًا نتفادى هذه النظرة حين نخطئ ونحن صغار، ولا يزال الأمر كذلك بعد أن كبرنا.

وهذه اليد التي ملأتها التجاعيد وأرهقتها الأحمال لا تزال قادرة على إزاحة جبال الأحزان من على كتفي، وهذه اليد التي طالما كانت تملك مفتاح الجنة ومفتاح النار حين كانت تمسك بعصا العقاب حينًا وتمتد إلي بالجوائز والعطاءات حينًا آخر.

ولا أعرف كيف أصبحت أمي رغم بساطتها وعدم حصولها على شهادة دراسية بهذه الحكمة والقوة والمعرفة الكبيرة، فمنذ كنا صغارًا وهي مصدر معلوماتنا ووعينا وحكمتنا، ولم يتغير ذلك بعد أن صرنا كبارًا ونحمل شهادات جامعية، فكلما أغرقتنا الحياة في طلاسمها عدنا إلى أمنا، وكلما ضعنا في درب من الدروب لجأنا إليها لتهدينا وتمنحنا الحكمة والمعرفة.

لا بد أنها تملك شيئًا سحريًا لا نعرفه، فكل شيء لدى أمي أجمل وأطيب، طعامها وكلامها ورأيها وكذلك تلك الكراسي القديمة لدى أمي أكثر راحة من أي شيء آخر، وسريرها الذي يصدر الأصوات بسبب وبغير سبب يجعلني أغط في نوم عميق، ولا أعرف ما السبب، لكني أجربه وأعيشه كل مرة.

ورغم كل ما قلته فإنه يوجد من الكلام عن أمي ما لا تسعه السطور، أمي ذلك الكائن السحري.

اقرأ أيضاً قاعدة الثلاث البسيطة لتتقن التحرير الكتابي في أي موضوع

سيارتي الحبيبة

دائمًا ما يتحدث الناس عن علاقاتهم بالآخرين ومع أصدقائهم وزوجاتهم وأبنائهم وزملائهم في العمل، لكنني أتحدث عن سيارتي تلك التي ورثتها عن أبي، ورغم أنها تكبرني في السن فإننا أصدقاء من زمن طويل.

تلك الحسناء ذات اللون الأخضر الفاتح من مواليد عام 1976 يسمونها 1200، وهي من صناعة روسية، لكنني أسميها كركوبة، وذلك ليس لعمرها الطويل، لكن لأنني دائمًا ما كنت أمزح مع أبي وأقول له إن عربتك كركوبة، فلم لا تغيرها؟ وعندما مات أبي أحببتها كما لم أحب أي شيء وأي شخص في هذه الحياة، وصرت أناديها كركوبة، ولم أستطع أن أغير بها سيارة أخرى رغم قدرتي على ذلك.

 كركوبة لها مصابيح كبيرة، تبدو كعيون نابضة بالحياة، تنظر إلى هذا العالم وتستوعب تغيراته المستمرة، كراسيها مريحة جدًّا تذكرني دائمًا بالأريكة القديمة التي في منزل أمي، فرغم أنها قديمة فإنها تحمل كل الراحة وكل الأمان.

في كركوبة كل شيء يعمل حتى مطفأة السجائر رغم أنني لا أدخن، والنوافذ الزجاجية التي أطل منها على العالم لا تزال تستطيع التحرك إلى الأعلى وإلى الأسفل بخفة ورشاقة كما لو كانت فتاة في الـ 20 من عمرها.

اقرأ أيضاً يحيى حقي ( 1905 – 1986 ) صاحب القنديل

وصف قصير للسيارة

 وصوت الموتور العالي دائمًا يذكرني بموسيقى المارشات العسكرية، فحين أدير مفتاح التشغيل، ويعلو صوته هادرًا فكأننا نستعد لشن حرب كبيرة على معسكر الأعداء أو كأننا ذاهبون في مهمة وطنية أنا وكركوبة.

وحين نمر بجانب العربات والسيارات الحديثة أشعر أن كركوبة تشعر بالغيرة قليلًا من سرعة وخفة ولمعان هذه السيارات التي تقدر أسعارها بالآلاف والملايين، إلا أنني أربت عليها مطمئنًا: إنك في نظري أغلى من كل هذه السيارات، وستبقين للنهاية ملكة الطريق فلا تنزعجي أبدًا يا كركوبة.

وحين نذهب أحيانًا إلى محالّ الصيانة فقد يتحدث الميكانيكي أو الكهربائي عنها بصيغة غير مقبولة مازحًا أو جادًّا حين يقول لي يا أستاذ، غيّر هذه السيارة العتيقة، فهي مصدر تعب لك، لكنني أرد بقوة وعنف أحيانًا: ليس هذا من شأنك، وأحاول أن يكون صوتي عاليًا لكي تسمع سيارتي الحبيبة أنني متمسك بها إلى النهاية، وأنها جزء من حياتي لا يمكن الاستغناء عنه.

وإذا كان الآخرون لا يفهمون هذه العلاقة بيني وبين سيارتي فيكفيني أنني أفهمها تمامًا ولا أحتاج إلى أحد.

 

وفي نهاية حديثنا عن النصوص الوصفية فإننا ندعوك لقراءة كثير من النصوص التي تعنى بالوصف والتعبير والزخرفة اللغوية، ونعدك أنك لن تندم على هذه التجربة الرائعة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نبذة عن الكاتب