عند الحديث عن الظروف التي سبقت وصول الإمبراطور تيبريوس إلى عرش الإمبراطورية الرومانية، لا بد من الحديث عن المرحلة الزمنية التي عاشها هذا الإمبراطور خلال مدة حكم الإمبراطور أغسطس.
وسنتحدث عن الأوضاع التي مرت بها الإمبراطورية الرومانية وأنظمة الحكم فيها منذ نشأتها والتي كانت من العوامل المهمة في قيام الإمبراطورية وديمومتها.
فلا بد من إعطاء نبذة عنها ليتسنى للقارئ أن يطلع على تاريخ روما وكيف كانت تدار قبل قرون من الزمن.
قد يهمك أيضًا المسرح الروماني من أشهر المباني في روما
الظروف التي سبقت توليه العرش
فقد حكمت روما 3 أنواع من أنظمة الحكم السياسية وهي، نظام الحكم الملكي، ونظام الحكم الجمهوري، ونظام الحكم الديمقراطي.
أما طبيعة نظام الحكم في المرحلة الملكية فقد يتولى العرش ملك بالانتخاب، وبعده مجلسان هما السناتو الشيوخ، وعمل هذا المجلس استشاري وليس له الحق التشريعي، ولكنه استحوذ على صلاحيات واسعة أكثر مما أريد له.
يختار الملك أعضاءه، ويتكون من 100 عضو، أما في العصر الجمهوري فكان القناصل هم من يختارون الأعضاء، وهم من خيرة أبناء المجتمع، وكان عملهم مدى الحياة، ويختص بإصدار القرارات الخاصة بالسياسة التي تتبعها الدولة.
أما المجلس الآخر فهو الجمعية العمومية التي تمثل عموم الشعب ويهتم هذا المجلس بالأمور الدينية، ويتكون من 30 عضوًا، لكنه لم يحافظ على تلك الصلاحيات فقد جرده منه في العصر الملكي.
أما طبيعة النظام السياسي في العهد الجمهوري فقد بدأت مرحلة جديدة من الحكم الروماني إذ شهدت روما تحولًا كبيرًا في تقسيم السلطات.
إذ حل قنصلان بدلًا من الملك وكل واحد منهما يراقب الآخر، واقتصر النظام السياسي في روما في العهد الجمهوري على القنصلين ومجلس الشيوخ.
استمر هذا الوضع السياسي قائمًا طوال مدة الحكم الجمهوري في روما، وظهر مجلس آخر هو مجلس الـ100، وهو مجلس استشاري أيضًا يجتمع بدعوة من القنصل ومهامه فقط قبول أو رفض الاقتراحات التي تأتي من مجلس الشيوخ، وكذلك المجلس القبلي.
وسمي بهذا الاسم لأنه يضم أعضاءه حسب القبيلة، وزادت سلطته لا سيما بعد اعتراف مجلس الشيوخ بحقوقه الشرعية، وكان يضم أطيافًا مختلفة من الشعب الروماني.
قد يهمك أيضًا الملكة كليوبترا السابعة.. من هي وما لغز وفاتها؟
النظم السياسية في الحضارة الرومانية
أما في العهد الإمبراطوري فقد تركزت السلطات بيد السلطة التنفيذية، وعلى رأسها الإمبراطور، فقد امتلك السلطة المطلقة لقيادة وإدارة الجيش، وقد سلب السلطة من مجلس الشيوخ، المجلس الوحيد الذي بقي من المجالس، ولم يبقَ له إلا السلطة الظاهرية.
وتعد النظم السياسية في الحضارة الرومانية بين العهد الملكي والجمهوري والإمبراطوري نوعًا من الثراء في الفكر السياسي.
هذا ما أسهم في نضوج النظريات السياسية والأفكار والتشريعات والقوانين، التي لا تزال تعد أساسًا تشير إليه غالب دول العالم اليوم.
وظهر خلال تلك المرحلة كثير من المفكرين والقادة والسياسيين، الذين كان لهم دور كبير في تاريخ الإنسانية .
إن استخدام مصطلح إمبراطور في هذه المرحلة التي سبقت تولي تيبريوس عرش الإمبراطورية الرومانية، ليس إلا إبراز صفات الشخص الذي يتولى رأس السلطة، إلا أن توسع روما وحدودها مترامية الأطراف جعلت من هذا اللقب أن يأخذ سلطات واسعة، وأن يكون الإمبراطور الحاكم ذا سلطة واسعة ومطلقة.
فضلًا عن حصر جميع السلطات بيده، وأصبح يمثل السلطة الدينية والدنيوية بالوقت نفسه، وكانت السياسة الرومانية قائمة على حب الوطن أو حب روما، وكان الرومان ينظرون إلى مدينتهم كونها عائلة واحدة، وهذا ما وضعه الإمبراطور أغسطس.. الوطنية هي الدليل الذي يمشي عليه الرومان.
أما الحديث عن الظروف السياسية التي سبقت تولية تيبيريوس العرش الروماني، فقد عاد إلى روما في السنة الثانية الميلادية، وبدأت الأخبار تفد من مرسيليا والتي تشير إلى أن لوسيوس بن جوليا، هو أحد المرشحين للعرش، وقد ذهب إلى روما بمهمة رسمية.
قد يهمك أيضًا ظهور أوكتافيوس عام 44 ق.م والمؤامرات التي قام بها ضد أنطونيوس
عقبة أمام تولي تيبيريوس الحكم
إلا أن الأنباء تقول إن لوسيوس أصيب بمرض لم ينجُ منه، إذ سرعان ما توفي على إثر ذلك، لذلك يمكن القول إن الحظ كان محالفًا لتيبيريوس الذي كان راغبًا بولاية العرش الروماني.
إلا أن لوسيوس كان يمثل عقبة أمامه، وهذا لا يعني أنه لن يهتم بقتله، إذ ظهرت شائعات تقول إن تيبريوس كان سببًا في وفاة لوسيوس، لكنه لم يبالِ بها.
إلا أن الإمبراطور أغسطس بدأ يقلل من عدائه لتيبريوس وتهجمه عليه، وذلك بسبب الاضطرابات التي بدأت تظهر في بعض الولايات، وأصبح بحاجة إلى قائد عسكري يسانده، ولم يجد أكفأ من تيبريوس إلا أن أغسطس ما زال يغامر بوراثة العرش.
فقد أرسل جايوس إلى منطقة ليشيا ليجعل منه قائدًا قادرًا على تحمل المسؤوليات الإمبراطورية، وتكفل صلاحيات وراثة العرش، إلا أن الأمر لم يدم طويلًا حتى خاض جايوس حربًا لقمع فتنة في هذه المدينة.
إذ كانت حربًا صغيرة، كان ضحيتها القائد جايوس نفسه، وهذا ما دفع أغسطس إلى أن يستسلم للقدر، ولأن لم يعد أمامه خيار آخر، إلا أن يجعل تيبريوس وريثًا للعرش.
أصبحت الآن الظروف مواتية لتيبريوس كي يكون الوارث الوحيد لعرش روما، بعد أن منحه أغسطس قيادة الجيوش، فضلًا عن مهام أخرى، لا سيما قيادة الحملات التي لم تنجز أهدافها التي راح ضحيتها دروسوس وجايوس.
استطاع تيبريوس إخضاع الألمان، وإخماد الحركات التي ظهرت في بانوتيا، ودالماشيا، وأصبح الرومان ينظرون إلى القائد المنتصر، وعادت هتافاتهم تضج في شوارع روما من جديد، ونحتت له التماثيل، إذ عاد ظهورها في شوارع روما ثانية.
إلا أن الانطوائية والانعزال لم تتغير في طبيعته، وكان أغسطس متشائمًا منه ومن حكمه لروما، وفي السنة الرابعة للميلاد أصبح تيبريوس ولي العهد الشرعي بعد أن أعلن أغسطس تبنيه له.
قد يهمك أيضًا الإمبراطور تيبيريوس بين القصر والجيش
هموم أغسطس قيصر
ظهرت أمام أغسطس قيصر هموم أخرى أثقلت كاهله، وهذه الهموم من ابنته جوليا الصغيرة التي أصبحت فضائحها على لسان أهل روما، وهي من الأسرة الإمبراطورية، وهي صغيرة الإمبراطور أغسطس وابنة جوليا الأولى التي تعيش في المنفى.
إلا أن الإمبراطور بدأ يصب غضبه عليها، لا سيما بعد أن أطلعه تيبريوس على فضائحها بكل تفاصيلها، فما كان أمامه إلا أن ينفيها ويبعدها عن روما رغم أنها كانت حاملًا.
يبدو أن الأحزان لم تفارق الإمبراطور أغسطس بعد، فقد ظهرت في ألمانيا الثورات من جديد، فما كان منه إلا أن يجهز جيشًا لمقاتلتهم، إذ أرسل جيشًا كبيرًا يضم 3 كتائب من الحرس البريتوري بقيادة أحد جنرالاته يدعى فاروس.
إلا أن هذا القائد لم يحالفه الحظ في تحقيق النصر، فقد تمكن القائد الألماني هيرمان من أن يضلله ويحاصر جيشه ويقضي عليه عام 9 ق.م، وأدى ألم الخسارة التي تعرض لها الجيش الروماني إلى انتحار قائد الجيش بدلًا من العودة إلى روما.
وبعد أن وصلت الأخبار إلى أغسطس أصابه حزن كثير لمصير الجيش وقائده، وبدأ يردد عبارته: فاروس.. أعد لي كتائبي.
وتعد هذه المعركة خسارة كبيرة على روما، إذ تعد خسارة الكتائب الثلاث شعارات النسر الروماني فضيحة ومهانة للإمبراطورية بحد ذاتها.
بعد ذلك عاد أغسطس للبحث عن قائد كفء لمعاقبة الألمان وإعادة الأمن والتوازن وحماية الحدود فيها، فوقع اختياره على تيبريوس، الذي أُعد لهذه المهمة بروح قتالية عالية، وكفاءة كبيرة.
إذ كوَّن الكتائب الجديدة وأشرف عليها بنفسه، ثم قاد حملة استطاع بها إخضاع القبائل الألمانية وتأديبها، هذا ما جعل أغسطس يعترف بفضل تيبريوس في إنقاذ سمعة الإمبراطورية وقتها.
قد يهمك أيضًا نبذة عن حياة الإمبراطور الروماني تيبيريوس
ما قبل وفاة أغسطس
أخذ أغسطس يطمئن على سلامة الإمبراطورية وإلى تفوق قائده الجديد وإمبراطور المستقبل، ولم يبقَ أمامه إلا أن يدون أعماله قبل وفاته، وسرعان ما استدعى أحد كتابه وطلب منه أن يوثق له مذكراته وأعماله الكبرى، وبعد أن دونها نسخت إلى اللغتين اللاتينية والإغريقية، ووزعت على جميع أنحاء الإمبراطورية.
وبذلك أنهى الإمبراطور أغسطس آخر أعماله، وهو في العام السابع والسبعين من عمره، وفي عام 14م تدهورت أحواله الصحية، فقد ظهرت بعض العلامات التي توحي بقرب أجله.
إذ كان الرومان يؤمنون بالتنجيم والطالع والخرافات، فقد أصاب برق أحد تماثيله فأحرق حرف القاف في كلمة قيصر وهذا عده الإمبراطور أغسطس، -فضلًا عن دلائل أخرى- نهايته.
فبعد أن انتهى أغسطس من كتابة مذكراته، رحل إلى جزيرة كابري بصحبة تيبيريوس، إذ قضى أغسطس غالب وقته هناك من أجل الاستجمام والاستمتاع.
ومن هذه الجزيرة توجه تيبيريوس إلى دالماسيا لإخماد فتنة قامت بها إحدى القبائل هناك، وتكريمًا له وتأكيدًا لأحقيته بولاية العهد، خرج معه الإمبراطور أغسطس عدة مراحل، وهو متوجه للقتال.
وعند عودة أغسطس من جزيرة كابري وقبل وصوله مدينة نولا من مقاطعة كامبانيا في السنة الـ14 للميلاد عقب الاحتفالات الرياضية التي أقيمت على شرفه في مدينة نابولي، أصيب بمرضه الذي لم ينجُ منه، وكان سببًا في نهاية حياته.
وبعد وفاة الإمبراطور، أمرت ليفيا زوجته ووالدة تيبيريوس بعدم إعلان خبر وفاته، وأحاطت القصر بالحراس ومنعت الدخول والخروج.
وأرسلت خبرًا إلى تيبيريوس تطلب منه العودة بأسرع وقت ممكن، وبعد عودة الأخير دخل على أغسطس وبقي إلى جانبه مدة ليست بالقصيرة، ثم أعلن عن أن الإمبراطور أغسطس قد فارق الحياة، وأنه قد تبادل معه الحديث وأوصاه بعدة نصائح وتوجيهات وائتمنه على الإمبراطورية والشعب الروماني.
قد يهمك أيضًا ما الذي تشتهر به إيطاليا؟
الوريث الشرعي للإمبراطور أغسطس
وعلى الرغم من أن تيبيريوس كان الوارث الوحيد الشرعي لأغسطس في تولي العرش الروماني، فإن دعائم النظام الإمبراطوري لم تثبت بعد هذه الشرعية، لأنه يوجد تداخل بين المفاهيم الجمهورية والإمبراطورية وهذا ما كان يثير قلقل ليفا وخوفها على روما وعرشها من الطامعين.
لم يبقَ أمام تيبيريوس سوى إجراء مراسيم الدفن للإمبراطور أغسطس الراحل، وجرى احتفال كبير لتوديع جثمان الإمبراطور ودفنه يوم التاسع عشر سنة 14م وقد أطلق تيبيريوس على هذا الشهر اسم الإمبراطور، وهو اسم شهر أغسطس.
إن ما تحدث به تيبيريوس أمام الشعب كان يفتقد الصدق، إذ قال إنه تحدث مع الإمبراطور وتبادل معه الحديث.
إلا أن أغسطس قد فارق الحياة قبل ذلك، ولكن حرص ليفيا على تولي ابنها تيبيريوس العرش الروماني جعلها تدبر هذا الأمر، ولاقت قبولًا في الشارع الروماني وهذا ما كانت تصبو إليه.
وقال أحد رجال السناتو يدعى نيرميريكوس أتيكيوسبانه إنه رأى روح أغسطس وهي تصعد إلى السماء، وحث مجلس الشيوخ على إصدار قرار يعترف فيه أن أغسطس أصبح إلهًا.
ولما أخبر تيبيريوس عن ذلك أمر ببناء معبد على الفور لعبادة أغسطس، وبعدها اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.